بقلم: المعطي منجب*
أبدى مصدر أمني استغرابه الشديد مما اعتبره” التراشق الإعلامي بالتهم الذي ينخرط فيه المعطي منجب كلما تعلق الأمر بنقاش عمومي يتناول جوانب من عمل السلطات العامة بالمغرب”.
وتعليقا على تصريح منشور للمعطي منجب قال فيه بأن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أحداث الحسيمة تضمن اعترافا ضمنيا بأن الدولة هي من تتحكم في استعمال العنف وليس المتظاهرين، شدد المصدر الأمني ذاته على أن التراشق الإعلامي بالمفردات والمصطلحات القانونية دون تملك مدلولها الاصطلاحي والمفاهيمي، تجعل بعض الناس يسقطون أحيانا، بل وفي كثير من الأحيان، في زلات وأخطاء غير مقبولة، قد تزيغ ببعض الرأي العام إلى تحصيل مخرجات وخلاصات غير سليمة.
وأوضح المصدر ذاته، بأن المتابعين في أحداث الحسيمة لم يكونوا في أي لحظة من اللحظات ” متظاهرين” حسب المفهوم القانوني للكلمة في كافة النصوص التشريعية الدولية، لأنهم لم يصرحوا قط بأي شكل احتجاجي للسلطات العامة حسب ما هو محدد في القانون المغربي، كما أن صفة (المتظاهر السلمي) لا تكتسب بالشعارات (سلمية سلمية لا موس لا جنوية) أو بمباركة من جهات معينة، وإنما هي صفة يسدلها القانون على الأشخاص الذين ينظمون نشاطا احتجاجا سلميا ولا يضرمون النار عمدا في الممتلكات العامة والخاصة، ولا يضعون المتاريس في الطرقات، ولا يمنعون سيارات الإسعاف من نقل المصابين أو استهدافها بالحجارة، وهي السيارات التي أفرد لها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة حماية خاصة حتى في أوقات الحروب والأزمات الكبرى.
والمتظاهر، يضيف المصدر ذاته، لا يمنع أئمة المساجد من الخطابة في الناس، أيا كانت قناعاتهم وخلفياتهم، كما أنه لا يجنّد حراسا خاصين يمنعون عنه تدخلات الأمن القاضية بتوقيفه بناءً على تعليمات من جهة قضائية مختصة نوعيا ومكانيا، كما أن المتظاهر لا يحوّل الجرف المطل على شاطئ “كيمادو” أو “كالابونيطا” إلى منصة لرجم عناصر القوة العمومية بالحجارة وبالقنينات الفارغة وأخرى محشوة بالنار الملتهبة.
ومن جهته أكد الأستاذ محمد الحسيني كروط، المحامي الذي ناب عن عناصر القوة العمومية في أعقاب محاكمة المتابعين في أحداث الحسيمة، بأن “الدولة تحتكر استخدام القوة العمومية لا النزوع للعنف”، منبها إلى ضرورة التمييز بين المفردات والمصطلحات القانونية المستخدمة، ومنوها إلى أن “التدابير الاحترازية والقانونية التي يفردها القانون لتفريق التجمهرات المشوبة بالعنف والمسلحة تنطوي قانونا على استخدام مشروع للقوة، وهو ما تم الركون إليه في أحداث الحسيمة”.
وأردف الأستاذ الحسيني كروط تصريحه بأن “مختلف التشريعات السماوية والنظريات الفلسفية على امتداد تاريخ البشرية كانت تخول لجهات أو مؤسسات محددة صلاحية استخدام القوة لضمان الضبط الاجتماعي وتنظيم التجمعات البشرية”، متسائلا بمفهوم المخالفة ” كيف سيكون حال المجتمعات؟ وكيف سيتم تطبيق القوانين الآمرة، إذا لم تحتكر الدولة ومؤسساتها القوة؟ ومستطردا تصريحه ” بالطبع، تطبيق القوانين والركون للقوة المشروعة يجب أن يتم في نطاق مسيج بشكليات وضمانات قانونية تحول دون الشطط والتجاوز، وتمنع التفريط والإفراط”.
وشدد الأستاذ كروط “إننا كهيئة للدفاع لا نقيّم تقرير مجلس حقوق الإنسان من منظور حقوقي أو سياسي، وإنما نؤكد على أننا كنا ننتظر تقريرا أكثر إنصافا وعدلا لفائدة موكلينا من عناصر القوة العمومية الذين تعرضوا لإصابات جسدية خطيرة وعاهات مستديمة بالنسبة للبعض منهم، كما كنا نتطلع أن تضطلع المؤسسات الحقوقية المنبثقة عن ميثاق باريس بدورها الحقيقي في جبر الضرر بالنسبة للمصابين، خصوصا أن العديد منهم لازالوا يرزحون تحت نير الإصابات الجسدية والتداعيات النفسية الخطيرة التي تسبب فيها مرتكبو جرائم الحسيمة”.
وختم الأستاذ كروط تصريحه بأن “انتقاء المفردات بعناية من طرف معدي التقرير، ربما مخافة إحراج بعض الجماعات غير الدولتية المسؤولة عن جرائم الحسيمة، أسقط التقرير في نوع من المهادنة والتطبيع إن صح هذا التعبير”، لافتا إلى ضرورة تسمية الأشياء بمسمياتها، “فأحداث الحسيمة لا يمكن وسمها بالاحتجاجات السلمية التي تحولت لعنف، بل هي في الحقيقة وبدون مواربة أحداث إجرامية تخللها ارتكاب جنايات وجنح خطيرة ومقوضة للنظام العام”، قبل أن يخلص في الأخير إلى “أن هذا لا يمنع من القول بأن التقرير شكل خطوة مهمة في العمل الحقوقي ببلادنا، لأنه أشار بأصابع الاتهام لأول مرة إلى “مرتزقة اللايف” الذين يبثون الأكاذيب والتضليل من خارج المغرب بغرض المساس بمرتكزات النظام العام”.
* المعطي منجب: مؤرخ وأستاذ جامعي