المعطي منجب يكتب: الأمن يخبط خبط عشواء في المغرب

3 يناير 2020
المعطي منجب يكتب: الأمن يخبط خبط عشواء في المغرب

بقلم: المعطي منجب*

مع بداية الخريف كانت تهيمن قضية اعتقال الصحافية هاجر الريسوني على صفحات الجرائد المغربية بين مهاجم ومدافع عنها. أما الإعلام الدولي المهتم بالمغرب فقد تناول القضية بتعاطف كبير ومن وجهة نظر حقوقية وسياسية.

اتهم الأمن المغربي وبعده القضاء هاجر الريسوني بالإجهاض. والغريب أنها اُعتقلت وهي تمشي في الشارع أي أنها لم تكن متلبسة كما أنه لم يشتك بها أحد. أحاط بها حوالي اثني عشر عنصرا أمنيا كان نصفهم حسب شهادتها يقوم بتصويرها بكاميرات. وستنشر فعلا الصور من لدن المواقع المقربة من السلطة. أخذها الأمن الى المستشفى وتم الكشف عنها بدون إذن منها وهذا جريمة في حد ذاته.

ورغم الضغط الأمني أكد الطبيب كتابة أن السيدة هاجر لا تظهر عليها أي علامة كلينيكيةً تفيد أنها تعرضت لعملية إجهاض. ومع ذلك اُحتفظ بها في السجن مع زيادة تهمة الفساد في الملف. على كل، كان الاستهداف السياسي للصحافية واضحا فهي أول امرأة تتابع بدعوى الإجهاض منذ ربع قرن حسب الجمعيات المختصة. كما أن الجريدة التي تعمل بها مغضوب عليها من لدن السلطة فمديرها توفيق بوعشرين يوجد بالسجن منذ ما يقرب من السنتين بتهم غريبة ولا معقولة منها الاتجار بالبشر. كما أن ثلاثة من أعمام الصحافية معارضون للنظام ويعانون من ضغوط الأمن منذ سنوات طويلة والأكثر استهدافا من بينهم هو الفقيه المعروف أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

الصحافة القريبة من السلطة وهي تعد بالعشرات، ضمنها مواقع إليكترونية وجرائد ورقية، هاجمت بكل ما أوتيت من قوة هاجر لمدة تزيد عن الشهر ونصف الشهر، فهل من المنطقي أن تُرمى امرأة تعاني جسديا ونفسيا، حتى ولو كانت قد أجهضت فعلا، بكل هاته الأحجار الثقيلة، ألم يتذكر كل هؤلاء قولة عيسى ابن مريم؟ الغريب أن هاته الهجمة ستتوقف فجأة لما غادرت هاجر السجن بعد استفادتها من العفو.
بل إن بعض مهاجميها أصبحوا «لا يذكرونها إلا بالخير» كما يقول المغاربة.

نفس الشيء حدث مع الصحافي عمر الراضي. فبعض الجرائد التي شنت عليه حملة شعواء منذ الساعات الأولى لاعتقاله وكأن الأمر كان مبيتا لديها، بل ودافعت عن اعتقاله وهاجمت من اعتبر حبسه مسا بحرية التعبير والصحافة، أقول نفس هاته الجرائد ستدافع عن قرار الافراج عنه. وقبل أن أعطي مثالا أو مثالين على هاته المواقف «الإعلامية» المتحكم فيها «بريموت كونترول»، لابد أن أضيف إن الإفراج عن الصحافي الشاب كان نتيجة للتضامن الكبير والمنقطع النظير معه من لدن للرأي العام بالمغرب والخارج. فقد وصل مستوى تردد ذكر اسمه على الويب حوالي المليون أياما قليلة بعد اعتقاله، هذا إذا حصرنا البحث في اللغات المكتوبة بالحرف اللاتيني أو العربي.

هذا الرقم لم يصل إليه ولا إلى ثلثه أي من قضايا اعتقال الصحافيين خلال السنوات الأخيرة. لاشك أن عناصر السلطة الذين يقومون بما يسمى باليقظة الاستراتيجية قد جروا ناقوس الخطر منبهين النظام إلى أنه ينظم حملة ثانية ضد نفسه بعد حوالي شهرين من انتهاء الضجة العالمية التي أثارها اعتقال هاجر الظالم.

طريقة متابعة الصحافي عمر الراضي كانت في غير محلها، متنافية مع ما تقوم به الدولة من مجهودات كبيرة لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والانفتاح والدفع بالانفراج الحقوقي الذي يعرفه المغرب للحفاظ على حرية الرأي والتعبير المشروعة

ولنذكر كذلك أن عمر الراضي اعتقل بتهمة رسمية فحواها أنه انتقد بقساوة عبر تويتر قساوة أحكام القضاء على معتقلي حراك الريف مع ذكر القاضي بالاسم في نيسان/أبريل الماضي. أي أن النظام تردد ما يقرب من تسعة أشهر قبل اعتقاله.

حسب عمر الراضي قد لا يكون ذلك علامة تردد، فربما هو نوع من التفاوض حتى يتراجع عن مواقفه واستقصاءاته المناهضة للسلطة. وفعلا فقد وقع له حادث غريب بالدار البيضاء يوم 20 يوليو/ تموز الماضي. كان يسوق سيارته الصغيرة ليلا بمكان قريب من عائلته لما خرج عدد كبير من الرجال يتراوح عددهم حسب ما ظهر له بين 12 و 15فردا. كان هذا «الفريق» ينتظره ولحسن حظه أنه لم يكن مستهدفا فيزيائيا. اذ اكتفى الفريق بتكسير سيارته بطريقة حرفية حيث فقدت كل زجاجها. استطاع الراضي الإفلات بجلده لاجئا عند أسرته. لا يمكن أن نتخيل أن الفريق كان مكونا من لصوص فكيف سينتفع السارق من تكسير سيارة صغيرة خصوصا وأن المهاجمين قد غادروا المكان بسرعة لا يلوون على شيء كما أنهم لم يبحثوا داخل السيارة عن أي شيء ذي قيمة أو ثمن. قدم عمر شكاية رسمية ولحد الآن لم يُعثر على أي من أعضاء «الكوماندو» الإجرامي رغم عددهم الكبير ورغم أن الحي شعبي ويعرف سكانه بعضهم البعض. ولنرجع الآن إلى تشابه معالجة الإعلام الاستعلاماتي لقضيتي هاجر والراضي.

فها هي إحدى الجرائد، المعروفة بقربها من السلطة، تتهم الصحافي لما كان رهن الاعتقال، بأخطر الجرائم، وهنا استشهد بها وللدقة بين هلالين: «التحريض على العنف والكراهية ونصب المشانق للقضاة في الأرصفة والطرقات». وتعالوا نقرأ ماذا صرحت مصادر نفس الجريدة وربما نفس الشخص بعد اضطرار النظام للإفراج عن الصحافي: «إن هذه القضية وطريقة متابعة الصحافي كانت في غير محلها، متنافية مع ما تقوم به الدولة من مجهودات كبيرة لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والانفتاح والدفع بالانفراج الحقوقي الذي يعرفه المغرب للحفاظ على حرية الرأي والتعبير المشروعة». سبحان مبدل الأحوال والآراء.

إن السلطة تخبط فعلا خبط عشواء ولا تدري أي طريق تأخذ.

ويمكن قبل الختم أن نتساءل لماذا يعاني هذا الصحافي الأمرين مع السلطة، قضاء وأمنا وإعلاما. السبب الرئيسي اعتقد هو أنه صحافي استقصائي جريء. فهو الذي فجر أكبر فضيحة فساد في السنوات الأخيرة. أصبحت القضية تعرف من ذاك بقضية خدام الدولة. اذ برهن هذا الصحافي الشاب وبالوثائق الموقعة رسميا على حصول أعضاء من النخبة الحاكمة وبعض خدامها على أرض مخصصة للفيلات بأغلى وأرقى أحياء الرباط بثمن بخس بل وسخيف هو حوالي 35 دولارا للمتر المربع. كان من الأشرف إعطاؤها لهم مجانا حتى تكون الأمور واضحة. زاد الطين بلة لما تم نشر بلاغ رسمي يعترف بالأمر ويبرره بطريقة واهية متهما حزب العدالة والتنمية بالوقوف وراء التسريب، علما بأن عمر الراضي يساري ولا علاقة له بالحزب الإسلامي.

كاتب مغربي

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق