الصحافة _ وكالات
لم تكد سنة 2022 تجود بأنفاسها الأخيرة حتى تتوّج الاستثناء المغربي من جديد بالمزيد من الاعتراف العالمي والدولي، لم يكن طبعا آخره تألق المنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال قطر، وبلوغه دور نصف النهائي لأول مرة في تاريخ الأمة العربية والإفريقية. هذا العام الذي انتهى على إيقاع الاحتفالات بأسود الأطلس وارتفاع الراية المغربية خفاقة في سماء المونديال القطري كانت أيضا زمنا من نجاحات أخرى في مختلف المجالات أظهرت المغرب كأحد أكثر بلدان القارة الإفريقية والعالم العربي تفوقا في رفع الرهانات وتحقيق التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
فبالإضافة إلى الإنجاز التاريخي الذي حقّقه أسود الأطلس بقيادة المدرّب المتميز وليد الركراكي كانت سنة 2022 موعدا اجتماعيا استثنائيا بكل المقاييس بعد أن شكلت لحظة تاريخية لتنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الذي انطلق فعليا منذ 2021 ليتم استكماله خلال سنة 2022 بتوسيع نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ليستفيد منه كل المواطنين المغاربة دون تمييز أو إقصاء لأي فئة أو شريحة اجتماعية. وقد عرفت هذه السنة سباقا مع الزمن قادته حكومة عزيز أخنوش من أجل توفير العدّة التشريعية بالمصادقة على القوانين والمراسيم والنصوص التطبيقية التي ستضمن لكل المغاربة منذ اليوم حقّ الاستفادة من التغطية الصحية في مختلف المستشفيات العمومية وكذا المصحات الخصوصية.
هذا العام الاستثنائي كان بامتياز سياقا لتثبيت أسس الدولة الاجتماعية كما تصوّرها وفعّلها جلالة الملك محمد السادس منذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد وفرض قيود الحجر الصحي في مارس 2020. لقد وضع جلالته المغرب منذ ذلك الحين على سكّة التحوّل السريع والناجع نحو توسيع دائرة العناية الاجتماعية بالمواطنين من أجل توفير الخدمات الأساسية لهم سواء في قطاع الصحة من خلال ورش تعميم التغطية الصحية، أو من خلال قطاع التعليم من خلال إطلاق ورش إصلاحي واسع لا تزال الوزارة الوصية تعمل على تنزيله إلى اليوم. وفي هذا السياق الاجتماعي الخالص الذي طبع سنة 2022 لا يمكن أن ننسى الشجاعة السياسية التي تحلّت بها حكومة عزيز أخنوش في مجال الحوار الاجتماعي.
فلأول مرة ومنذ سنوات استطاعت هذه الحكومة أن تقتحم ملفات اجتماعية حارقة كانت تتقاذفها الحكومات المتعاقبة فيما بينها وترفض دخول “عش الدبابير” الذي كانت تمثله. ولعلّ أبرز هذه الملفات الاجتماعية الفئوية التي اقتحمتها حكومة أخنوش هو ملف تحسين الوضعية المادية لأساتذة التعليم العالي الذين سيحقّقون خلال سنة 2022 مطلبا يناضلون من أجله منذ ما يناهز العشرين عاما، ليستفيدوا من زيادة مهمة في الأجور تكاد تمثّل أهم زيادة مادية حققتها هذه الفئة. وفي السياق نفسه كانت مخرجات الحوار الاجتماعي خلال سنة 2022 استثنائية بكل المقاييس بعد أن توّجت بقرار تاريخي يقضي بزيادة الحد الأدنى للأجور في القطاعات الصناعية والحرفية، وكذا زيادة معاشات المتقاعدين العاملين في القطاع الخاص بشكل كان له الأثر الإيجابي على وضعيتهم المادية.
وعلى صعيد العمل الدبلوماسي وتحصين الوحدة الترابية للمملكة المغربية تواصلت الانتصارات الدولية بتعزيز مكانة المغرب في المنتديات الدولية واعتباره شريكا استراتيجيا للعديد من البلدان والقوى الدولية سواء من الغرب أو الشرق. لكن أبرز ما تحقّق خلال هذه السنة هو الإعلان التاريخي الذي رفعته الحكومة الإسبانية بدعم المغرب فيما يخص وحدته الترابية وتأييدها لمشروع الحكم الذاتي، بعد أزمة دبلوماسية دامت لعدة شهور بسبب الخطأ الذي أقدمت عليه الخارجية الإسبانية بالسماح لزعيم انفصاليي البوليساريو بدخول الأراضي الإسبانية. ففي أبريل الماضي جاء رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب في زيارة رسمية يخطب ود المملكة ويعلن التزام بلاده بعدم القيام بأي مبادرات من اتجاه أحادي، وهو ما مثّل انتصارا واضحا للدبلوماسية المغربية في مواجهة الجناح الاستعماري في الطبقة السياسية الإسبانية.
ولعلّ هذا الانتصار الدبلوماسي البارز على إسبانيا كان مدخلا أيضا إلى عودة السلطات الألمانية إلى رشدها وتراجعها عن تصريحاتها ومواقفها الاستفزازية ضد المغرب، وإقدامها على العودة إلى فتح كل ملفات التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين بعد فترة من التوتر التي كان وراءها بعض المحسوبين على الحكومة الفيدرالية السابقة. لقد واصل المغرب إذن حصد الانتصارات الدبلوماسية، خصوصا منها ما يتعلق بتثبيت وحدته الترابية وتعزيز الموقف من مغربية الصحراء في الوقت الذي بدأت فيه فرنسا أيضا في اتخاذ خطوات مبشّرة كان آخرها الإعلان الذي أعلنته وزير الخارجية الفرنسية قبل أيام برفع كل القيود المفروضة على ولوج المواطنين المغاربة إلى التأشيرة الفرنسية. وفي هذا السياق يستعد البلدان للزيارة الهامة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب الشهر المقبل والتي يتوقّع الكثير من المراقبين أن تشهد نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين.
المصدر: الدار