بقلم: مراد بورجى
ما كنت لأتكلم عن المندوبة الجهوية لوزارة الصحة بجهة الدارالبيضاء سطات السيدة نبيلة الرميلي لولا أنها قدمت عرضاً، الأسبوع الماضي، أمام عزيز أخنوش “الرئيس المدير العام” لحزب التجمع الوطني للأحرار، حول بطاقة جديدة للتطبيب تسمّى “بطاقة رعاية” يعتزم الحزب إطلاقها في حالة فوزه بالانتخابات التشريعية المقبلة.
قبل أن تتكلم السيدة المندوبة المحترمة عن هذه البطاقة “السحرية”، فضلت في البداية أن تتكلم عن نفسها بصيغة المفرد باستعمال خطاب “الأنا”، وبدأت تحكي عن دورها البطولي وقصتها مع المتاعب التي تسبب لها فيها مرضى كورونا، وما تحمّلته من جراء ذلك منذ ظهور أول حالة مصابة بهذا الوباء في الدار البيضاء قبل سنة ونصف.
وختمت هاته “السوبر مندوبة” قصتها بالقول إنها حملت عبء مرضى كوفيد الثقيل على كاهلها كأنه جبلٌ.
وقدمت السيدة المندوبة الشكر لمناضلي حزبها بدل أن تقدم فائق الشكر للأطقم الطبية المتخصصة برمتها التي غامرت بحياتها في الحقيقة لإنقاذ المصابين من الموت، وكذلك الدور الفعّال الذي لعبته السلطات المحلية.
ويجب أن تعرف هذه الطبيبة العامة بحكم أنها كانت المسؤولة الأولى أن سوء تدبيرها اللوجيستي في محاربة جائحة كورونا بجهة الدارالبيضاء سطات كان سبباً رئيسيًا في معاناة وسجن البيضاويين في بيوتهم أكثر من باقي سكان المدن الأخرى في هذه السنة ونصف، التي تتكلم عنها، والتي يُجمع أغلب المغاربة على أنها أسوأ تجربة في مواجهة الجائحة.
أمّا أسلوب “الماركوتينغ” السياسي للترويج لبطاقة “رعاية” الجديدة الخاصة بالتطبيب التي تروج لها السيدة المندوبة، فإنه يدل على أن السي عزيز أخنوش، الذي يخلط بين المال والسياسة، أصبح لا يُفرق بين التسويق لبيع البنزين وبين الترويج لبرنامج سياسي!
وفي هذا الصدد بالذات، اتُّهم أخنوش بتسيير الحزب بمنطق المقاولة، الذي أدى إلى إبعاد السياسيين الحقيقيين من مناضلي الحزب ومؤسسيه من كراسي القيادة.
ولهذا، ففي رأي الكثيرين يمكن القول إن برنامج حزب الأحرار برمته، الذي يروّج له اليوم، لا يخرج عن أحد أمرين “أحلاهما مرّ”: إمّا أن أخنوش دخل به في منافسة مع المشاريع الملكية، وإما أنه يريد الترامي على هذه المشاريع والالتفاف عليها بالركوب على كل ما يقوم به الملك.
لنذكّر، فالذكرى تنفع المومنين وغير المؤمنين بما يقوم به رئيس الدولة في هذه البلاد، أن الملك محمد السادس، اليوم، يسير بسرعة نحو التنزيل السريع للورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، عبر تعميم التأمين الإجباري على المرض والتعويضات العائلية والتقاعد لفائدة كل الأسر المغربية، التي لا تتوفر حالياً على تغطية اجتماعية، ما يعني أن الملك عندما أعلن عن تعميم التغطية الصحية، فإنه بذلك يعلن عن بداية نهاية العمل ببطاقة “راميد”، التي كان الملك محمد السادس قد أشرف شخصيا بالدار البيضاء، في 9 أبريل 2012، على إعطاء الانطلاق الرسمي لنظام المساعدة الطبية (راميد)، الذي يستفيد منه نحو 8.5 ملايين نسمة من الفئات الاجتماعية المعوزة، وتوزيع أولى هذه البطائق.
بعد أزيد من تسع سنوات، يخرج علينا السي أخنوش”حتى هو”، عبر مندوبته بالصحة بجهة الدار البيضاء سطات، لتعلن من جديد عن توزيع بطاقته التي أطلق عليها إسم “رعاية” الخاصة بالتطبيب على المغاربة، بعد أن تجاوز الملك نظام البطاقة، التي لن يكون لها أية لزمة على الإطلاق، لأن الورش الملكي الذي بدأ، عمليا، من هذه السنة (2021) وعلى مدى خمس سنوات، سيمكّن كل الأسر المغربية من التغطية الصحية والتعويضات العائلية، إضافة إلى التقاعد، أي إن الحديث عن أي بطاقة أخرى، غير “راميد”، هو مجرد لعب في الوقت بدل الضائع، وضحك على الذقون، وتوريط خزينة الدولة في مصاريف إعداد بطاقة لا محل لها من إعراب الحماية الاجتماعية…
مع العلم أن هناك رقما اجتماعيا شبيها برقم التأمين، به رمز مشفر لكل مواطن لا يحتاج لبطاقة، تشتغل عليه الدولة منذ عدة سنوات، وقطعت فيه أشواطا بعيدة في القطاع الخاص بالتأمينات، ومع الورش الملكي تتجه الدولة إلى أن يكون هذا الرقم الاجتماعي شاملا لجميع المغاربة، إذ يسجّل كل المعطيات المتعلقة بصحتهم منذ الولادة، وحتى الوفاة، إذ من خلال هذه الرقمنة، يجري تمكين المستفيدين من عدة مزايا، بدءا من توفير خدمات تأمين وطني ودولي، وتغطية صحية مدى الحياة، وأيا كانت الأعمار، مع سلسلة مهمة ومتنوعة من الخدمات (الولادة، التدخلات الجراحية، مصاريف سيارة الإسعاف، الفحوص الطبية، الفحص بآلة السكانير، التصوير بالرنين المغناطيسي، إلخ…)، إلى غير ذلك من الخدمات الصحية والاجتماعية، التي يشتغل عليها مختصون، وستكون جاهزة، عمليا، مع إكمال مراحل تنزيل تعميم الحماية الاجتماعية…
معنى ذلك، أنه فيما الورش الملكي يستهدف توفير “الحماية” لكل المغاربة، فإن أخنوش وفريقه أقصى ما وصل إليه تفكيرهم هو “الرعاية”، أي التفكير بالوراء، بمنطق سنوات “رعايانا الأوفياء”، لكن لأخنوش وللمندوبة كل العذر، لأن مكتب الدراسات الذي أنجز له المقترح لا علاقة له بما يجري بالمغرب، وبتاريخ المغرب، وبأوراش الملك التي تسير إلى الأمام وليس إلى الوراء!.
يتبع…