بقلم: فوزية لهلال*
في سنة 1981، وبعد إعلان الحكومة المغربية عن الزِّيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، خرجت مظاهرات شعبية شَلَّت حركة العاصمة الاقتصادية الدَّار البيضاء، احتجاج واجهه النِّظام ساعتها بالقمع والعنف والاعتقالات، وخَلَّفَ عددا من القتلى والجرحى..
انَّه الإضراب الَّذي سالت فيه دماء غزيرة..
ثورة الخبز والدَّم…. الَّتي لم نعثر لها على أثر في مقرَّراتنا الدِّراسية..
“انتفاضة الكوميرا ” كما أطلق عليها وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري…استهزاءً
اكتشفتُ للمرَّة الأولى أنَّ المغرب ليس في منأى عن الفقر.. فحتَّى أواخر السبعينات، لم أكن أُدْرِكُ ذلك.”
في محيطي، كثيرا ما سمعتُ أنَّ الفقر في المغرب ليس من شيءٍ يُذكر.. إنَّهُ جزء من المشهد، كما أنَّ الملكية جزءٌ من المشهد نفسُه، يومذاك تبدَّى البؤس كما لم يتبَدَّ من قبل، ولم يعد من سبيل إلى إنكاره..
لقد اقتضاني سنوات لاستوعب أنَّ هناك مغاربة يعيشون في العَوَز..
هذا تعليق الأمير هشام العلوي على أحداثٍ تنامت إلى سمعه وعمره 17 سنة..
17 سنة من الحياة خلف أسوار قصورٍ ،لا يُدْرِكُ ساكنوها ما الذِّي يعيشه الشَّعبُ الآخر..
سنوات من العيش في مملكة غير المملكة ،إنَّه عالم القصور المُقْفَل ،المخملي، عالمٌ آخر..يكتشف الأمير ساعتها وجودُ عالمٍ ما وراءه…
داخل أسوار القصر، يُرَبَّى الكل على الطَّاعة، والخضوع التَّام “لسيدْنا “،ليس هناك مجال لقول “لا”…إنَّها تقاليد المخزن وأعرافه، الباسطة أجنحتها داخل القصر..وخارجه!
من يُنفِقُ على القصور؟
في عهد الحسن الثاني، تمَّ إنشاء وزارة القصور، والتَّشريفات والاوسمة، وهي وِزارة مستقلَّة عن الحكومة، ستتولىَّ الشركات التَّابعة للهولدينغ الملكي بعد ذلك، عملية تموينها، بالتالي فكل طلبات القصر، تُشْتَرى من المُمَوِّن الحصري، التابع للشركات الملكية، وتدفع الدولة ثمنها من خلال وزارة القصور…التي تقتطع ميزانيتها من المال العام…
في الملكيات الديموقراطية، تُنشر تقارير سنوية، تُبَرِّرُ إنفاق كل دولار..لأنَّ هناك رقابة صارمة ومحاسبة على إنفاق المال العام..
في المغرب، المستفيدين من الرِّيع من برلمانيين ، سادِّين فمامهم، ولا زالوا يتحدَّثون فيما يُشبه القداسة حين يتعلق الأمر بالبلاط الملكي، وميزانيته التي تقتطع من جيوب دافعي الضرائب..
وهذا لا يخدم الملكية المغربية على الإطلاق..مع العلم انه من الناحية القانونية، ليس هناك ما يمنع من مناقشة ميزانية البلاط،غير أن الموافقة عليها بالإجماع، ودون نقاش، صارت من المتعارف عليه تحت قُبَّة مُمَثِّلي الشَّعب..
فهل البرلمانيين يمثلون الشعب أم القصر؟
إن إنفاق الدولة المغربية على القصور هو ضعف إنفاق فرنسا على الإليزيه، وهو 5 اضعاف ما تنفقه الملكية الإنجليزية على قصورها، و17 ضعف ما تنفقه الملكية الإسبانية، مع الفارق طبعا بين الناتج الوطني الإجمالي لهاته الدول والناتج الوطني للمغرب، وكذا مستوى معيشة المواطن..
نعم لملكية برلمانية
لا للمخزن