بقلم: المعطي منجب*
التقت لجنة النموذج التنموي الجديد والتي يرأسها وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى ممثلين عن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان. ويعتبر الائتلاف أكبر مجموعة مدنية مستقلة تشتغل في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان ومناهضة الخروقات اليومية التي تقوم بها السلطات ضد المعارضين والنشطاء الحقوقيين والشباب أو الصحافيين المنتقدين للسلطة على صفحات الجرائد أو عبر شبكة الويب ويوتيوب.
وكان الملك محمد السادس قد أعلن منذ شهور عن خلق لجنة للنموذج التنموي وعين على رأسها بنموسى. وهدف اللجنة الرسمي هو التفكير وتهييء تقرير، بطريقة «تشاركية»، يحدد الخطوط العريضة للسياسات العمومية في ميدان التنمية بمعناها العام. وكانت اللجنة قد نظمت حوارات مع عدد من الأحزاب والمنظمات والفعاليات المدنية والاجتماعية. إلا أن أنشطتها السابقة لم تثر حقيقةً الرأي العام المتعود على ظهور اللجان ثم تواريها بعد أشهر أو سنوات دون أثر يذكر أو يكاد، إلا أن لقاءها هذا الأسبوع مع حقوقيين مغضوب عليهم ويعانون من التضييق وضغط السلطة جذب الانتباه نظرا للمفاجآت التي تخللته.
وأول مفاجأة هو قبول الائتلاف المعارض اللقاء مع لجنة يرأسها بنموسى الذي كان قد تعرض منذ سنوات لانتقادات شديدة من لدن عدة أعضاء بالإئتلاف وخصوصا من أكبرهم أي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وللحقيقة فالسيد بنموسى هو أحد رجالات الدولة الذين يتمتعون ببعض الاحترام في صفوف المجتمع المدني إلا أن دوره كوزير للداخلية في قمع الحريات ودور أجهزة الأخيرة في فبركة ملف ما عُرف «بالسياسيين الستة» أثناء ترؤسه أم الوزارات خلال السنوات السابقة للربيع العربي كان قد أثار غضب الحقوقيين المغاربة وخصوصا أن محاكمة الشخصيات المعتدلة الست كانت قد جرت في جو مكهرب بإرهاب السلطة وتحت المراقبة اللصيقة لضباط الأجهزة بل إن كاميرات كانت قد وُضعت بطريقة لا قانونية داخل قاعات المحكمة للضغط على القضاة والمحامين…وبقية القصة معروفة حيث سيطلق سراح «الإرهابيين» المزعومين و«الخطيرين» تحت ضغط مظاهرات الشارع المطالبة بالديمقراطية سنة 2011.
عبّر أعضاء اللجنة الحقوقية في بداية اللقاء عن صعوبة اتخاذهم هذا القرار نظرا لحالة «المنع والحصار والتضييق» السائدة بالبلاد. وقال منسق الائتلاف عبد الإله بن عبد السلام إنه كان على الدولة قبل انطلاق عمل لجنة النموذج التنموي الجديد وضع حد للاحتقان الذي يعيشه المغرب منذ سنوات بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي القابعين في السجون وأغلبيتهم الساحقة أبرياء أي أن ذنبهم الوحيد أنهم عبروا عن آرائهم المناقضة للرأي الرسمي كتابة أو تصريحا أو تظاهرا بالشارع. وفعلا، ورغم الصورة الإيجابية النسبية للمغرب في الخارج، فإن البلاد تحتوي، حسب المنظمات الحقوقية الدولية، على أكبر عدد من معتقلي الرأي بدول شمال إفريقيا الأربع الواقعة غرب ليبيا.
أضاف بن عبد السلام أن الائتلاف الحقوقي ارتأى مع ذلك مقابلة اللجنة الرسمية «مسلحا بالأمل بأن ينتبه الذين يقومون بشؤون البلاد» ويعتبرون بكل الفرص التاريخية التي ضيعوها على البلاد حارميها من ولوج «مجمع المجتمعات التي تسود فيها الحرية والكرامة والديمقراطية… وحقوق الإنسان». أشار أعضاء الوفد الحقوقي إلى الأوضاع الاجتماعية البالغة التردي والتي يجب معالجتها بشكل جدي وجذري وبنيوي. كما أضافوا مستدركين أن الناس لا يعيشون فقط بالخبز ولهذا فإن على النموذج التنموي الجديد أن يحفظ كذلك كرامة المواطنين. أشار أحد أعضاء الائتلاف بأن هناك إعلاما له ارتباطات بالسلطة، وأعطى مثالا بموقع إعلامي يترأسه والي سابق بالداخلية، يُمْعن في الثلب والتشهير بالفاعلين السياسيين الذين يعبّرون عن آراء مخالفة للنظام.
وأضاف المتدخل وهو نائب سابق أن أعضاء البرلمان أنفسهم أصبحوا يخافون من الكلام بحرية ويمارسون الرقابة الذاتية حتى لا يُشهّر بهم من لدن ذلك الموقع وغيره من المواقع «ذات الارتباطات». وفي نفس السياق قال عضو آخر من الوفد الحقوقي إن الحرية والاتصال والولوج للمعلومة أساس من أسس التنمية، كما ألح في الإشارة إلى احتكار النظام للإعلام العمومي بل والخصوصي أيضا حيث تسيطر الأجهزة الأمنية، حسب قوله. وتمثل هاته الإشارة الواضحة للتدخل الأمني القوي والضارب في الإعلام مفاجأة أخرى للقاء إذ إن الأمن أصبح خطا أحمر جديدا بالمغرب كما قال الأستاذ محمد الساسي منذ أسابيع.
وفي المجمل ورغم صراحة المتكلمين من الوفد الحقوقي فإن مطالبهم كانت على العموم معقولة.
اقترح الحقوقيون أن تُعرض نتائج عمل لجنة النموذج التنموي على حوار وطني كما اقترحوا مراجعة الدستور وتفعيل السياسات الجديدة المرتقبة ضد الريع والفساد وخروقات حقوق حسب أجندة دقيقة وأن تظهر نتائجها على أرض الواقع وذلك لإنهاء أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع ووضع المغرب على سكة التنمية الحقيقية.
وقبل الختم لابد أن نذكر أمرا لطيفا أثار قهقهة الجميع وهو أن رئيس اللجنة الرسمية ووزير الداخلية السابق، وهو مهندس فرانكفوني بحت، قد قال إتلاف حقوق الإنسان عوض ائتلاف حقوق الإنسان. لا شك أن أعضاء هذا الأخير تمنوا أن تكون مجرد زلة لسان من رئيس اللجنة الملكية.
*المعطي منجيب: كاتب ومؤرخ مغربي.