الصحافة _ مايسة سلامة الناجي
اللعبة كانت ولازالت منذ عهد الحسن الثاني إلى يومنا هذا تجاذبا للسلطة ومساءلة عن الثروة بين القصر والأحزاب: 1- أحزاب تخرج من رحم الشعب تترافع وهي في خندق المعارضة عن سلطات تشريعية تنفيذية قضائية تمر عبر مؤسسات مستقلة، وعن توزيع عادل للثروة حيث القطاعات الاجتماعية من سكن وغذاء وصحة وتعليم تُمَوَّل من مداخيل الثروات الطبيعية من فوسفاط ومعادن وغيرها. 2- وقصر يبحث عن سبيل إلى ترويض الديمقراطية للحفاظ على سلطته وثروته، عبر احتواء تلك الأحزاب من معارضين إلى خدام يمررون عبر المؤسسات قراراته ويرعون مصالح شركاته ويتقشفون على القطاعات الاجتماعية نحو قذفها بالكلية إلى السوق الحر، في مقابل صرف المال العام على ميزانيات البلاط وخدامه والمؤسسات التي تحميه. وهكذا كلما انتقل حزب من المعارضة الشعبية نحول دهاليز البلاط وغير قياديوه جلودهم بتغيير أطقم الأسنان والڤلل والسيارات.. بقيت الشبيبة تحمل مشعل صوت الشعب فإما ينقسم الحزب إلى شبيبة تعارض القصر مقابل قياديين تم احتواؤهم، إما إلى حركات تصحيحية ينبثق عنها أحزاب أخر وهكذا دواليك في دوامة أو دائرة حياة احتواء الأصوات المطالبة بالديمقراطية نحو أصوات مخزنية..
ويقع أن ينتفض قيادي حزبي من خدام المخزن على المخزن إما في صحوة ضمير أو في رقصة الديك المدبوح كلما أحس أحدهم أن نهايته وشيكة… كذلك انتفض الأمين العام السابق لحزب الاستقلال حميد شباط على المخزن حين غره إلياس العماري بحقيبة وزارية شريطة أن يعقد الاستقلال مع باقي الأحزاب تكتلا ضد العدالة والتنمية بعد فوز هذا الأخير بالانتخابات التشريعية 2016، ولما أحس شباط بمكيدة أنه ليس سوى كركوز سيُقذف بعد أن يؤدي المهمة رقص رقصة الديك المذبوح وفجر خطبته العصماء متهما الدولة العميقة بعرقلة المسار الديمقراطي، فما كان إلا أن نشر المخزن أرقام حساباته البنكية وأملاكه وجرائم أولاده. كذلك انتفض الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله في نفس الظرفية متهما مستشارا ملكيا بمحاولة ترتيب المشهد لصالح الأصالة والمعاصرة حتى أصدر في حقه بلاغ أشبه بالغضبة الملكية. كذلك انتفض عبد الإله بنكيران حين شعر بأن كلمة سابق سترافق منصبه كرئيس حكومة وكأمين عام لحزب العدالة والتنمية. وفي كل مرة ينهي القصر مهمة أحدهم بغضبة.. أو هجمة على من لا يسأمون المعارضة: مثل عبد العزيز أفتاتي، أمينة ماء العينين، أو عمر بلافريج.. إلا وخرجت شبيبة الأحزاب لتنتفض ضد قرار القصر عبر جريدة الحزب، أو عبر بيان للحزب، أو عبر التدوين على مواقع التواصل الاجتماعي، مدافعة عن قيادييها من محاولة لجم الألسن، معترضة على محاولة التقزيم، فارضة استقلالية القرار الحزبي.. فعلتها شبيبة الاستقلال، فعلتها شبيبة التقدم والاشتراكية وشبيبة كل أحزاب اليسار، وفعلتها شبيبة العدالة والتنمية.. وكذلك تبقى شبيبة الأحزاب هي الضمان لدور تلك الأحزاب في عدل ميزان السلطة مع القصر.
ولم نسمع لشبيبة التجمع الوطني للأحرار يوما همسا ببنت شفة، حين وفر الملك محمد السادس لقياديهم البارز مولاي حفيظ العلمي حصة انتقاد علنية كاد على إثرها أن يضع استقالته من منصبه، ولا بيان حزبي يثني على الرجل ويرفع من معنوياته رغم أنه لولا وزير الصناعة والتجارة وجولته الماراتونية في جميع جهات المغرب لاحتواء احتجاجات التجار لغرق أخنوش إلى عنقه في الاحتقان الاجتماعي الذي تسبب فيه منذ استئساده على حكومة العثماني، بين احتجاجات الريف وزاڭورة وجرادة والأساتذة المتعاقدين والأطباء والقضاة.. ولولا الاستثمارات التي يخلقها العلمي لما وجد قياديو الحزب إنجازا يتغنوا به في تلك التجمعات المفبركة، ولتعرى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في فشله أمام أزمة الماء التي عانى منها الجنوب الشرقي، وحرائق الغابات بالريف، وعزلة العالم القروي الذي لا أعلم هل بحث قضاة المجلس الأعلى للحسابات في ميزانية صندوقه أم أنهم اكتفوا بالتقارير التي تدينه بعدم مراقبة عذاء المغاربة من المواد الكيماوية وتعريض المغاربة إلى أكل السموم على مدار العام.. ناهيك عن الانفلات في مجال الصيد البحري وضرائبه (والتقرير الكامل للمجلس منشور على مجلة تيل كيل نسختها العربية، وعلى موقع اليوم24.. ذاك التقرير الذي فور تسريبه خرجت صحافة المازوط تتحدث عن أصول المهنية في قراءة تقارير جطو وانتظار رد الوزارة خوفا على طرف ديال الخبز). فهل حزب يغلق فاه أمام إقالة أحد قيادييه ووزير المالية السابق محمد بوسعيد دون حتى المطالبة بمعرفة السبب أو حتى بلاغ يشرح الوضع، حزب؟ هل حزب يطأطئ الرأس أمام غضبة ملكية على أكفأ قيادييه وأهم وزرائه دون أدنى تعليق أو تعليل لدى الرأي العام أو حتى محاولة دعم لزميلهم، حزب؟ أين هي الشبيبة والمعارضة التي تتجاذب أطراف السلطة مع القصر داخل هذا التجمع الوطني؟ أم أنه هو امتداد للقصر بداخله خدام للقصر وشبيبة من المتملقين الراضخين المتطاولين على المدونين فقط.. يحاول الآن أن يسيطر على القطاعات الاجتماعية باسم تقزيم الإسلاميين وتنصيب الكفا ءات؟
نجح الرئيس الأمريكي دونالت ترامب وبقي رغم أنف الشعب الأمريكي لأنه شعب يحترم الديمقراطية، وكل محاولة لإزاحته تتم بناء على ما يقره الدستور الأمريكي من قوانين. ، وكلما فشلت المحاولة لعزله رضخ الكل لمشروعية الصناديق وطأطأ الكل رأسه للعبة الديمقراطية. كذلك فوز العدالة والتنمية يجب أن يكون، يجب احترام شرعية الصناديق ونحن كارهوه. ما يقع اليوم أمام هذا التعديل الحكومي الذي يحاول وأد الديمقراطية وشرعية الصناديق باسم محاربة الإخوان المسلمين وكأننا نعيش حروب العربوش في مصر، وباسم تنصيب الكفاءات، وإعطاء الصحة ليستثمر فيها بزناسة الأحرار، ما هو إلا محاولة بسط القصر سيطرته على اللعبة كاملة، هو محاولة وأد الأحزاب الحقيقية بشبيبتها التي تعدل كفة الميزانية.. بحزب قياديوه مثل شبيبته خدام القصر، هو محاولة إسدال الستار على مسرحية الانتخابات ومسرحية المؤسسات ومسرحية الديمقراطية.. هو القصر يريدنا أن نطأطئ الرأس إلى حقيقة أنه، وعبر أخنوش وحزبه الأحرار، خرج ليها نيشان.
أما الديمقراطية تقضي أن ننتظر الانتخابات القادمة، وليقاطع من يشاء من الشعب، وليفز من يستحق!