الصحافة _ كندا
سيكون وزير الصحة أمين التهراوي على دوزيم هذا المساء لمناقشة وضعية القطاع و تقدم إصلاحاته. السؤال الذي يلوح في الأفق، بعيدًا عن الأقوال، هو الضغط الواقع عليه: هل يستطيع التهراوي التحدث بحرية أم أنه مقيد بقوى اقتصادية وإعلامية نافذة قادرة على إعادة تشكيل الخطاب العام؟
هزّ بيان الوزير أمام البرلمان، المُعلن فيه تعليق الدعم الحكومي للعيادات الخاصة، قطاعًا اعتاد على الغموض. كشفت تصريحاته الواضحة والصريحة عن نظام يُغذّي فيه المال العام سوقًا خاصة مزدهرة، بينما تُفقَر المستشفيات العامة.
لكن وراء هذا الانطلاق الشجاع، يلوح سؤال أكثر هدوءًا: من يضغط على الوزير؟ وإلى أي مدى تعمل جماعات الضغط التابعة للعيادات الخاصة، من خلال وسائل الإعلام وقنواتها المؤسسية، كقوة شبه مستقلة داخل الدولة، قادرة على التأثير حتى على قرارات إدارة استراتيجية؟
كان الرد سريعًا. شنّت مجموعة “أكديتال” وجماعة الضغط التابعة للعيادات الخاصة هجومًا مضادًا، وحشدت وسائل الإعلام للتقليل من شأن تأثير تصريحات التهراوي. تحت ستار الدقة التقنية، تُفصل المساعدات المالية الحكومية عن التدفقات المالية للتأمين الصحي الإلزامي والتغطية الطبية الشاملة، كما لو أن الأخيرة لا تُموّل من المال العام.
ومع ذلك، فمنذ توسع هذه البرامج، أصبحت العيادات الخاصة المستفيد الرئيسي من نظام تستغل كرمه الضمني.
يكشف المقال المنشور في صحيفة “لو ديسك” (المُستغاث به) حول هذا الموضوع، والذي يُصوّر أكديتال كضحية “عرقلة إدارية”، عن آلية أعمق: قطاع خاص قوي بما يكفي للتأثير على الرأي العام، وربما التأثير على القرارات الوزارية. يجد التهراوي نفسه في قلب هذه الدوامة: فالحفاظ على منصبه يعني مواجهة جماعة ضغط نافذة، والاستسلام قد يُحوّله إلى كبش فداء، يُضحى به على مذبح مصالح تتجاوز الرعاية الصحية.
تُجسّد الرسالة المفتوحة الصادرة عن الجمعية الوطنية للعيادات الخاصة (ANCP)، التي تنفي تلقيها أموالًا عامة وتُطالب بنشر قوائم المستفيدين، هذه المحاولة الرامية إلى تحييدها. وهكذا ينتقل النقاش إلى مستوى تنظيمي، مُخفيًا الواقع السياسي والاقتصادي: فالدعم غير المرئي موجود، ويتجسد في التدفق المستمر للأموال العامة إلى القطاع الخاص، بينما تتآكل مهمة المستشفى الوطني، وتُنهك المؤسسات العامة ويهجر الموظفون إلى القطاع الربحي.
ومن ثم، قد يكشف ظهور التهراوي على القناة الثانية عن أكثر من مجرد توضيح: فقد يكشف عن القوى الحقيقية التي تجذب الانتباه نحو الرعاية الصحية والضغوط الخفية التي يتعرض لها الوزراء. من يمسك بزمام الأمور في هذا النظام؟ من يحرك خيوط قطاع خاص قادر على إملاء، أحيانًا، سلوك إدارة استراتيجية؟ إن الوزير، بإدانته لهذا الانحراف، يُخاطر كثيرًا، ويُعرّض نفسه لعاصفة من المصالح القوية التي تبدو أحيانًا، خلف الكواليس، وكأنها تُسيطر على السياسة نفسها.