بقلم: محمد بوبكري
يرى العديد من الملاحظين الدوليين أن هناك صراعا بين مختلف أجنحة جنرالات الجزائر، حيث بلغ هذ الصراع مداه بعد إصدار “عبد المجيد تبون” مؤخرا لقرار إيقاف “الجنرال ماجور محمد قايدي” وتوقيفه وإبعاده. لكن هذا القرار ليس نابعا من إرادة ” تبون”، بل إن “السعيد شنقريحة” هو الذي ألزمه بالتوقيع عليه. وهذا ما يطرح علينا طرح السؤال الآتي: ما هي الأسباب الكامنة وراء إبعاد توقيف الجنرال “محمد قايدي”؟
يرى متتبعون للشأن الداخلي الجزائري أن سبب توقيف الجنرال “محمد قايدي” راجع إلى أنه معروف باتفاقه مع الغرب، وذلك على عكس “سعيد شنقريحة” وأفراد عصابته الموالون لـ “روسيا”، حيث يؤكد خبراء أن الجنرال “محمد قايدي” لا يخفي موافقته على مواقف الغار، كما أن “شنقريحة” وأفراد عصابته يجهرون بولائهم لـ “روسيا” ويقومون بزيارات عديدة لها.
ويبدو من خطاب اللواء “محمد قايدي”، أنه إنسان مثقف وعاقل، لا يتفق مع حماقات الجنرال “السعيد شنقريحة” وأفراد عصابته، حيث يرى الملاحظون أن خطاب “قايدي” متزن، ونابع من معرفة عميقة بالوضع المحلي والإقليمي والدولي، كما أن له صدى طيبا داخليا وخارجيا. لكن لماذا أقدم “شنقريحة” على توقيفه وإحالته على التقاعد، كما أنه قام بتعويضه بـ “الجنرال بلقاسم حسنات”. ويرى خبراء أن سبب توقيف “محمد قايدي” راجع إلى ما قاله في اجتماع مجموعة “خمسة + خمسة”، الذي ينعقد كل سنة بين دول جنوب أوروبا ودول شمال أفريقيا، حيث انعقد هذا الاجتماع في أواخر أكتوبر الأخير. وعادة ما يناقش أعضاء هذه المجموعة القضايا الأمنية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. مثل الجزائر في هذا الاجتماع “اللواء محمد قايدي”، الذي كان تدخله مفصلا وطويلا، حيث قال: إن الجزائر تعتمد قيم سياسة حسن الجوار، ما جعلها ترفض الدخول في أي مواجهة مع المغرب. وأضاف إلى ذلك، إن الجزائر ترغب في إقامة علاقات تعاون مع الدول الغربية في مختلف المجالات، وخصوصا في المجال الأمني ونظرا لكون المخابرات الروسية تقوم بتتبع مستمر لما يجري في العالم، وخصوصا كل ما يتعلق بمصالحها الاستراتيجية، فإنها رفضت كل ما قاله “الجنرال قايدي”، لأنه عبر عن توجه يتعارض مع ما تنتظره روسيا من الجزائر. لذلك، فلما أنصت الروس إلى التسجيل الصوتي لخطاب “قايدي”، وفهموا منه آنه يسير في اتجاه معارض لمصالحهم، هرعوا فورا إلى الاتصال بـ “الجنرال شنقريحة”، الذي لم يكن لا هو ولا مخابراته على علم بتدخل “قايدي” في “هذه المجموعة”، وعبروا له عن غضبهم مما قاله هذا الجنرال في هذا الاجتماع، حيث قالوا له إنه يسعى إلى التقرب من الغرب، ما يفيد تخلي الجزائر رسميا عن روسيا لصالح القوى الغربية، فاستشاط “شنقريحة” غضبا، لأنه يرفض كلام العقل، بل إنه يريد لغة العنف والمواجهة كما أنه يرغب دوما في استعمال لغة احترابية… هكذا اتصل “شنقريحة بـ “تبون”، وأمره بإقالة الجنرال “محمد قايدي”، فتم توقيف هذا الأخير، وأحيل على التحقيق، لكي يتم تقديمه للمحاكمة لاحقا، ما سيمكن “شنقريحة” من التخلص منه. ونظرا لصعوبة إلحاق أي تهمة به، فإنهم كانوا يريدون البحث عن أي تهمة لتبرير إحالته على التقاعد…
وفي السياق ذاته، يرى الإعلامي الجزائري، “محمد خذير”، الذي يعيش في مدينة “جنيف” السويسرية، في تصريح لـ “أندبندنت عربية”، إن المعلومات الرسمية المتعلقة بهذا الموضوع ليست واضحة، لكنه لا يظن أن لهذا القرار علاقة بالصراع الجاري بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء المغربية، أو بما يحدث إقليمياً من تهديدات”. وأضاف إلى ذلك قائلا: إنه “يرى أن هناك مشاكل غير معلنة وراء ذلك”، كما أشار إلى تضارب الأخبار حول مصير الرجل بعد تداول إحالته على المحكمة العسكرية. إضافة إلى ذلك، فقد شدد “خذير” على أن سبب الإقالة يبقى غير معلوم، نافياً أن يكون الأمر يتعلق بالتوترات الحاصلة في المنطقة، وإنما هو مرتبط بأمور داخلية للمؤسسة العسكرية الجزائرية. وختم أن الجنرال “قايدي” يختلف مع بعض القادة حول الاستراتيجية العامة للجيش، وهو الذي كان في مهمة رسمية في مالي.
ويرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، محمد لهوازي، “أنه على الرغم من سلسلة الإقالات التي مست الجنرالات في المؤسسة العسكرية خلال السنتين المنصرمتين، بسبب ملفات فساد أو صراع أجنحة داخل النظام، فإن إقالة الجنرال “محمد قايدي” كانت مفاجئة، بسبب حساسية المنصب الذي كان يشغله وهو تنسيق العلاقات بين هيئة الأركان العامة ورؤساء المناطق، لتبقى معرفة الأسباب الحقيقية وراء إقالته غير واضحة، لكن المؤكد أن الأمر يدخل في إطار إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وفق مقتضيات المرحلة التي تمر بها البلاد على المستويين الداخلي والإقليمي”. وختم أن استبعاد “قايدي” له علاقة بترتيبات وملفات داخلية وإقليمية ودولية تحتم على الجزائر تبني خيارات معينة تتطلب أشخاصاً بمواصفات معينة يحددها صناع القرار في الجزائر.
لا يعتبر قرار إقالة “قايدي” الأول الذي أثار الاهتمام، بل سبقته قرارات الإقالات الجماعية التي وصفت بالأكبر من نوعها منذ تولي “عبد المجيد تبون” منصبه، على اعتبار أنهم جميعهم قد تم تعيينهم في عهد قائد أركان الجيش الفريق “أحمد قايد صالح”، حيث تمت إقالة خمسة من كبار قادة الجيش ومن أقدم جنرالات المؤسسة العسكرية.
وكشفت الرئاسة الجزائرية عن أن تبون أقال اللواء “علي عكروم”، رئيس دائرة التنظيم والإمداد لأركان الجيش، وعين اللواء “حواس زيادي” خلفاً له، كما أقال اللواء “عبد القادر لشخم”، رئيس دائرة الإشارة والمعلومات والحرب الإلكترونية، وعين اللواء “فريد بجعيط” في المنصب، كما أنهى مهام اللواء “رشيد شواكي”، مدير الصناعات العسكرية بوزارة الدفاع ووضع مكانه اللواء “حواس زيادي”، بالإضافة إلى إنهاء مهام اللواء “سليم قريد”، قائد الأكاديمية العسكرية بـ “شرشال،”، من دون الكشف عن خلفه، وكذا إقالة اللواء “محمد تبودلت”، المدير المركزي للعتاد، وتم تعيين العميد “إسماعيل صديقي”، خلفاً له.
إلى ذلك، يرى “بريك الله حبيب” أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أن إقالة” قايدي” تدخل في إطار تجديد الدماء في سلك قيادة الجيش لمسايرة مجمل الأحداث والظروف الحالية التي تمر بها البلاد، كما أكد أن للرئيس كامل الصلاحيات والسلطة لتغيير بعض الأسماء بما يتوافق مع توجهات الدولة في السياسة الدفاعية والخارجية.
ويرى الإعلامي “أيوب أمزيان”، أن إنهاء مهام “قايدي” يعتبر أمراً عادياً في تدوير المناصب في المؤسسة العسكرية وفق قوانين الجمهورية”. مضيفاً أنه، حسب بعض التسريبات التي لم تتأكد بعد صحتها، فقد أوكلت مهام أخرى للجنرال “محمد قايدي”، تتمثل في تعيينه قائداً للتكتل العسكري الموحد الذي يضم العديد من دول الجوار، كما سيترأس الفرق الخارجية للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن”. وأبرز أنه “بالنظر إلى ما يحدث في المنطقة فإن هذه التغييرات تعد عادية، على الرغم من محاولات البعض إعطاءها صبغة سياسية وإيهام الرأي العام بوجود صراع داخل المؤسسة العسكرية. موضحاً “أن الذي يحصل هو سعي للتكيف مع تحديات المرحلة الراهنة من اجل تأمين سيادة الجزائر وحرمة ترابها والاستعداد تحسباً لأي طارئ والتصدي لأي شكل من أشكال العدوان”.
هكذا، فبعد إبعاد الجنرال “محمد قايدي”، ارتفعت أصوات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منددة بهذا القرار الظالم في حق قائد عسكري يمتلك تكوينا عسكريا رفيعا… وردا على ذلك، جند الجنرالات رجال إعلامهم وأزلامهم للتهجم على هذا الرجل، مدعين أنه لم يسبق له أن تحمل مسؤولية ميدانية، ما يجعله غير قادر على تولي مسؤولية رئاسة أركان الجيش الجزائري. وفي الواقع، فإن الجنرال “قائدي” أرفع ثقافة وتكوينا من أغلب جنرالات الجزائر، حيث إنه تلقى تكوينات في مؤسسات التكوين التابعة للحلف الأطلسي، كما أنه يحمل شهادات عسكرية عديدة من مختلف مدارس ومعاهد التكوين العسكري في الشرق والغرب. أضف إلى ذلك أنه يحمل دبلوم مهندس، كما أنه تلقى تكوينا عميقا في تخصصات مختلفة…
وإذا رجعنا إلى ما كتب مؤخرا عن هذا الجنرال، وجدنا أن الملاحظين يرشحونه لخلافة “شنقريحة” على رأس قيادة أركان الجيش الجزائري، ما أثار سعار “شنقريحة” وأفراد عصابته، المتسلطون على الشعب الجزائري، والناهبون لأمواله وخيراته، حيث إنهم بدأوا يشعرون بدنو آجلهم على يد هذا الجنرال الشاب، خصوصا آنهم ينظرون إليه بكونه عدوا لهم، لأنه كان مواليا للجنرال “أحمد القايد صالح”، الذي قاموا باغتياله”. وما يقظ مضجعهم اليوم هو أن أتباع القايد صالح” قد بدأوا يعبرون عن أنفسهم من خلال الاعتراض على سياسة “شنقريحة” وعصابته. وهذا ما يؤكد وجود صراعات بين مختلف أجنحة جنرالات الجيش، التي صار انفجارها محتملا في وجه “شنقريحة” وعصابته.
وجدير بالذكر كذلك أن روسيا قد أصبحت طرفا في الصراع بين أجنحة جنرالات الجزائر، حيث تساند “شنقريحة” وعصابته، التي جعلتها روسيا معبرا للتواجد في دول الساحل والاستيلاء على خيراتها، حيث يعتقد حكام الجزائر انهم سيستولون على خيرات هذه المنطقة كذلك، كما أنهم سيتوقعون على حسابها، الأمر الذي يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للدول الغربية. وهذا ما جعل المعسكر الغربي يرفض جنرالات الجزائر ويعرضهم لعزلة دولية قاتلة، ما قد يؤدي إلى فرض حصار عليهم في المستقبل القريب. وهذا ما قد يقود إلى إزاحة العصابة الحاكمة في الجزائر، كما سينجم عن ذلك توفير شروط لتقسيم الجزائر، وتفتيت كيانها…