دمج قسري ووعود معلقة والحكومة القانون وسط الرفض

4 يوليو 2025
دمج قسري ووعود معلقة والحكومة القانون وسط الرفض

الصحافة _ كندا

دمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليس مجرد تعديل تقني أو إعادة هيكلة إدارية، بل خطوة سياسية واجتماعية كبرى تُقْدِم عليها الحكومة في لحظة دقيقة من مسار تعميم الحماية الاجتماعية، لكن من دون أن تُقْدِم على ضمان الحد الأدنى من شروط التوافق أو إشراك الفرقاء الاجتماعيين. مشروع القانون 54.23، الذي يرتقب أن يصادق عليه مجلس المستشارين، تحوّل من مبادرة إصلاحية إلى مصدر قلق واسع لدى فئات كبيرة من الموظفين والمستخدمين، بسبب الغموض الذي يكتنف مصير المكتسبات القائمة، والتسريع غير المفهوم في تمريره.

الحكومة اختارت منذ البداية أن تسلك مسار الانفراد في اتخاذ القرار، متجاهلة التعديلات الجوهرية التي تقدمت بها النقابات والمستشارون البرلمانيون، بما فيهم من ينتمي إلى الأغلبية، وهو ما يطرح علامات استفهام حول جدية مقاربة الإصلاح. من بين 76 تعديلاً وُضع على طاولة المناقشة، لم تُقبل سوى خمسة، وباقي الاقتراحات رُفضت أو سُحبت أو عُلّقت بين التوازنات السياسية داخل اللجنة، ما يجعل المشروع يظهر كأنه منتج جاهز، وليس نتيجة نقاش مؤسساتي فعلي. الأكثر من ذلك، فإن الحكومة لم تقدم للرأي العام تصورًا واضحًا حول الآثار المالية والتنظيمية لهذا الدمج، ولم تُجب على تساؤلات جوهرية حول مستقبل التغطية الصحية للطلبة، وحقوق متقاعدي القطاع العام، وشروط استفادة الفئات الهشة من نظام “أمو”.

الإصلاح لا يمكن أن يُبنى على التجاهل. وإذا كانت الحكومة تعتبر أن دمج الصندوقين سيسمح بتحقيق النجاعة والتجانس، فإن ما يغيب عن منطقها هو أن النجاعة لا تُقاس فقط بالأرقام والمؤشرات، بل أيضًا بدرجة الثقة التي يتمتع بها القرار لدى المواطنين. وما يجري حاليًا هو نقيض بناء الثقة، بل هو تكريس لانطباع أن ورش الحماية الاجتماعية، الذي رُوّج له كأحد أهم أوراش الدولة الاجتماعية، مهدد بفقدان رصيده السياسي والاجتماعي، بسبب انفرادية المقاربة الحكومية، وتغييب الحوار، وتقديم خطاب التطمين محل إجراءات الضمان.

ليس من الإصلاح في شيء أن يُدمَج صندوق قائم منذ عقود، ويضم مئات آلاف الموظفين والمنخرطين، دون تقديم ضمانات مكتوبة حول مكتسباتهم. وليس من الحكمة أن يُعهد بتدبير نظام جديد للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يعاني بدوره من تحديات داخلية، دون تقييم فعلي لقدراته على استيعاب ملايين جديدة من المنخرطين بخصوصيات مختلفة. المثير أن الحكومة وعدت منذ أشهر بحماية الحقوق المكتسبة، لكن واقع النقاش البرلماني بيّن أن تلك الوعود لم تُترجم إلى تعديلات قانونية ذات أثر ملزم، بل بقيت تصريحات فضفاضة في جلسات الأسئلة الشفوية.

إذا كانت الدولة تسعى فعلاً لبناء منظومة حماية اجتماعية دامجة وعادلة، فعليها أن تتخلى عن منطق التسريع الذي يتجاوز الواقع، وأن تضع الإصلاح في إطار شفاف، تشاركي، وتدريجي، يوازن بين طموحات التحول وحتمية الحفاظ على المكتسبات. غير ذلك، لن يكون هذا الدمج سوى عنوان جديد لإصلاح متسرّع، لا يحل المشاكل، بل يراكمها.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق