بقلم: محمد بوبكري
لقد أدرك أخيرا الصحراويون المغاربة المغرر بهم، الذين تم احتجازهم في مخيمات تندوف، أن جنرالات الجزائر يعتبرونهم مجرد أداة يبتغون توظيفها في حربهم على المغرب. لذلك فقد بدأوا يترجمون وعيهم هذا بنزوح جماعي نحو المغرب. ويعود ذلك إلى ما عاشه ويعيشه هؤلاء المغاربة من قمع من قبل قيادة مليشيات “البوليساريو”، التي عرضت فلذات أكبادهم للاختطاف والاغتصاب، كما قامت باغتيالات عديدة في صفوف المعارضين لها، بذريعة ممارسة التنقيب غير الشرعي عن الذهب.
إضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء المغاربة المحتجزين في تندوف قد أدركوا أن جنرالات الجزائر قد دفعوا بهم إلى إغلاق معبر الكركرات لأنهم أرادوا استعمالهم أداة في حربهم ضد المغرب التي تروم ضرب الاقتصاد المغربي. لذلك، فقد تأكد لدى هؤلاء المغاربة أن النظام الجزائري في حاجة إلى عدو خارجي لإلهاء الشعب عن مطالبه الشرعية وتحويل اتجاهه نحو الخارج عبر تصوير المغرب عدوا خارجيا يشكل خطرا محدقا بالجزائر، كما صاروا يعون أن الأنظمة الاستبدادية هي التي تبحث دوما عن عدو خارجي لتصريف أزماتها الداخلية، وتخوين معارضيها كلما انخرطوا في مواجهتها بذريعة أنهم ينفذون مؤامرة أجنبية ضد بلدهم. وهذا ما حصل مع الحراك السلمي، بدون جدوى لأن الشعب الجزائري صار يعي تحايلات الجنرالات ومؤامراتهم ..
هكذا، فإذا كان جنرالات الجزائر يدعون وجود عدو خارجي للجزائر، فإنهم يرمون من وراء ذلك إلى تصريف أزماتهم الداخلية نحو الخارج. لكنهم لم يفلحوا في ذلك، لأن الشعب الجزائري ورموز حراكه قد أعلنوا رفضهم لدعاية الجنرالات ضد المغرب، بل منهم من أدانوها، واعتبروها ضربا من الجحود…
يعي الصحراويون المغاربة أن جنرالات الجزائر قد دفعوا بمليشيات “البوليساريو” لإغلاق معبر “الكركرات” بغية إنهاك المغرب وضرب مصالحه الاقتصادية عبر تقديم منطقة الصحراء المغربية بكونها منطقة غير آمنة حتى لا يستثمر فيها الغربيون. كما أنهم يريدون تخويف أرباب الشاحنات الأوروبية التي تمر عبر الصحراء المغربية بكون هذه المنطقة هي منطقة متنازع عليها، وأنها منطقة حرب، وذلك حتى لا تمر هذه الشاحنات من معبر ” الكركرات” وتتحول نحو المعبر الجزائري في اتجاه أفريقيا. هكذا، فإن الصحراويين المغاربة قد أدركوا أن جنرالات الجزائر يرغبون في توريطهم لضرب الاقتصاد المغربي.
علاوة على ذلك، إنه لا يمكن فصل كل ذلك عن ترحيل الجنرالات لـ “إبراهيم غالي” نحو إسبانيا بذريعة العلاج، حيث إن الجنرالات يريدون توريط إسبانيا مع المغرب، ما لا لم يدركه المسؤولون الإسبان، لأن جنرالات الجزائر أرادوا التعامل مع المسؤولين الإسبان وكأنهم لا يفقهون في السياسة فتيلا، حيث إن الجنرالات يعتبرون أنفسهم أكثر ذكاء من الجميع، والحال أنهم يعانون من عقدة الغباء. وهذا ما يشكل احتقارا للمسؤولين الإسبان من قبل جنرالات الجزائر. هكذا، فقد دبر هؤلاء الجنرالات مؤامرة ضد إسبانيا من أجل قطع المغرب لعلاقاته معها، فيتمكنون من الزج بها في عداوة مع المغرب، لتنخرط في محاصرته إلى جانبهم، الأمر الذي سيجعل إسبانيا الخاسر الأكبر في ذلك..
لكن هذا لا يعني أن إسبانيا بريئة، بل إنها ستظل مسؤولة عن تكتمها على دخول “إبراهيم غالي” إلى ترابها بجوز سفر مزور. ويؤكد صمت المسؤولين الإسبان على التزوير أنهم يقبلون به، ما يجعلهم مشاركين فيه. وبذلك، فإن هؤلاء المسؤولين لم يحترموا التزاماتهم تجاه المغرب، التي تستوجبها الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وإسبانيا. هكذا، يكون المسؤولون الإسبان قد وجهوا إلى المغرب طعنة من الخلف، وتدخلوا في القضاء الإسباني، وحولوه إلى أداة تنفذ قرارات جنرالات الجزائر، حيث أصبح القضاء الإسباني مناهضا لمبادئ حقوق الإنسان التي تتضمنها المعاهدات والمواثيق الدولية… تبعا لذلك، يدل تصرف الحكومة الإسبانية هذا على أنها لا تحترم القيم الكونية، بل تنسفها…
ويرمي جنرالات الجزائر من وراء ترحيل “إبراهيم غالي” إلى إسبانيا، بذريعة العلاج، إلى أن المخابرات الجزائرية تريد التخلص منه، وتعويضه بشخص آخر مستعد للانخراط معها في تحقيق أهدافها المشار إليها أعلاه؛ فالجنرالات يبحثون عمن يخوض حربا، بالنيابة عنهم، مع المغرب. لكن الصحراوين المغاربة، المحتجزين في مخيمات تندوف، صاروا يدركون أن أهداف الجنرالات صعبة التحقيق، بل مستحيلة المنال، كما يدركون أنهم عاجزون عن الانخراط في حرب ضد القوات المسلحة الملكية المغربية، لأنها ستكون حربا غير متكافئة. لذلك، فقد صاروا يدركون أنهم سيخسرون هذه الحرب، لأنها ستكون كارثية عليهم.
لقد أدرك هؤلاء المغاربة الحقيقة، وصاروا يعون أن الجنرالات يسعون إلى توظيفهم في حرب ضد المغرب. لذلك، انطلق مسلسل الهجرة من مخيمات تندوف إلى المغرب، الذي هو وطن حنون سيرحب بكل أبنائه الصحراويين العائدين إليه من مخيمات تندوف التي تسود فيها أوضاع لا إنسانية… هكذا، فإن مسلسل الهجرة قد يستمر حتى يعود جميع المحتجزين هناك إلى أرض الوطن، الذي فتح صدره لهم لمعانقتهم تعبيرا عن استعداده لاحتضانهم بمنتهى الدفء والحرارة…