الصحافة _ كندا
في تقرير حديث نشره موقع إذاعة فرنسا الدولية (RFI)، تم تسليط الضوء على تحوّل لافت في سياسة الدولة المغربية تجاه زراعة القنب، في سياق أزمة مائية متواصلة تضرب البلاد للسنة السابعة على التوالي. هذا التحول لا يتمثل فقط في التقنين الذي انطلق منذ سنة 2021، بل يتعداه إلى إعادة الاعتبار لصنف القنب المحلي المعروف باسم “البلدية”، بوصفه خيارًا زراعيًا أكثر ملاءمة للبيئة وهشاشتها المناخية.
وحسب التقرير، فإن السلطات المغربية بدأت توجّه دعوات صريحة للمنتجين القانونيين من أجل العودة إلى زراعة “البلدية”، باعتباره صنفًا موائمًا للموارد المائية الشحيحة مقارنة بالأصناف الهجينة المستوردة من أوروبا، مثل “كريتيكال” و”الخردلة”، التي انتشرت في السنوات الأخيرة بفضل رواجها في السوق غير القانونية الأوروبية، لكنها تتطلب استهلاكًا مائيًا عاليًا لا يتناسب مع ظروف الجفاف الحاد.
مزارعون قانونيون في شفشاون عبّروا عن وعيهم المتزايد بهذه الإشكالية. عبد الإله، أحدهم، أشار إلى أن الأصناف الهجينة تتطلب سقيًا دوريًا طيلة أشهر الصيف، وهو ما لم يعد ممكنًا لكثير من الأسر التي باتت تفضل الاحتفاظ بما تبقى من مياهها الشحيحة للزراعة الغذائية أو الاستعمال المنزلي، في ظل تراجع كبير لمستوى التساقطات.
ورغم أن صنف “البلدية” كان في ما مضى مرفوضًا من قبل شبكات التهريب بسبب مردوديته الأقل من حيث التركيز النفسي، إلا أنه بات اليوم يشكل أكثر من 70% من الإنتاج القانوني المسجل في سنة 2024، بحسب التقرير ذاته. وتنبع هذه العودة من خصائصه الملائمة للبيئة، إذ يعتمد بدرجة كبيرة على مياه الأمطار، ويتأقلم بشكل طبيعي مع التربة والمناخ المحليين.
في السياق نفسه، حذّر جابر لحبابي، مؤسس تعاونية “بيوكانات”، من التوسع غير المدروس في زراعة الأصناف الهجينة، موضحًا أن منطق الربح السريع أفضى إلى استنزاف بيئي خطير. ودعا إلى تبني مقاربة مستدامة ترتكز على تطوير أصناف محلية قوية، على غرار “البلدية”، باعتبارها نبتة “صلبة” قادرة على التكيف مع التحولات المناخية دون تعريض المنطقة لمزيد من الهشاشة.
ويأتي هذا التحول في إطار مشروع تقنين زراعة القنب الذي تسعى الدولة من خلاله إلى إدماج الفلاحين الصغار في سلاسل إنتاج قانونية موجهة نحو الأغراض الطبية والصناعية، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية التوازنات البيئية، خاصة في المناطق الجبلية الريفية التي ظلت لعقود تعاني من التهميش.
إن العودة إلى “البلدية” ليست فقط تصحيحًا لمسار زراعي، بل تعبير عن وعي متزايد بأن الأمن البيئي يجب أن يتقدّم على منطق السوق، وأن التقنين لا يقتصر على منح الرخص، بل يستدعي أيضًا توجيهًا ذكيًا للخيارات الزراعية بما يضمن الاستدامة وعدالة التوزيع بين الإنسان والطبيعة.