الصحافة _ الرباط
قاربت فُرق ومجموعة المعارضة بالبرلمان مفهوم “الدولة الاجتماعية”، التي تضعها الحكومة ضمن أهدافها، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، الاثنين 29 نونبر 2021، إذ شددت مداخلاتها على أن التأسيس لها وتحقيقها ينطلقان من رغبة ملكية صرفة.
واعتبر إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، أن الدولة الاجتماعية “مفهوم غير وارد في الدستور، ولا في برنامج الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة”، وأن “الأهم عند المغاربة هو الوعود التي يسمعون والقضايا التي تهمهم وليس كثرة الأرقام”.
وتساءل السنتيسي، في مداخلته بمجلس النواب، هل المخطط الاجتماعي الذي تتحدث عنه الحكومة ثلاثي؟ وهل سيتم تنزيله سنويا أم شهريا؟ لافتا إلى أن “الراعي الرسمي للدولة الاجتماعية هو جلالة الملك محمد السادس، من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وورش التغطية الصحية وغيرها”.
وتساءل عن كُلفة السلم الاجتماعي، إذ قال إن هناك من يعتبر أن الحكومة لا تتوفر على سياسة واضحة بخصوص التشغيل، متسائلا كيف يمكن تجزيئ 200 ألف فرصة عمل الواردة ضمن أرقام الحكومة.
واعتبر السنتيسي أن مشروع “أوراش” الذي أتت به الحكومة لا يختلف عن “الإنعاش الوطني” وأن الاعتمادات المخصصة للأول كان يمكن أن تُحول إلى الثاني، رغم أن الأمر لن يحل المشكل، في نظره.
ويرى أن برنامج “فرصة” أيضا لم يأت بجديد ولم تُوضح بشأنه عدة أمور، تتعلق خصوصا بالضمانات وطرق التمويل، مشيرا إلى أن هناك 6 ملايين مغربي بدون شغل، متسائلا عن كيفية مساعدتهم.
وبخصوص تسقيف السن في شروط التوظيف بالتعليم، قال “كنا نتمنى تسقيف الأسعار”، متسائلا هل السن هو المحدد للجودة مضيفا أن المعادلة المعتمدة “غير متكافئة”، واقترح التدرج في تحديد السن إلى أقل من 35 سنة، لفتح المجال لحاملي شواهد الماستر والدكتوراه.
وقال إن المغرب راكم منذ سنوات خصاصا في الأطباء والممرضين، وما يُنتظر من الحكومة هو التعاون لإيجاد الحلول، مشيرا إلى أن المغرب في حاجة إلى 30 ألف طبيب في حين أن الكليات لا يمكن أن تُخرج سوى 500 منصب مالي، وتساءل هل الحكومة تتوفر على تصور واضح في هذا المجال.
وفي ختام مداخلته دعا، باسم حزب الحركة الشعبية، إلى إجراء حوار وطني، يحسم في الإصلاحات الكبرى.
تنبيه للحكومة
يرى عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، في مداخلته، أن “الدولة الاجتماعية ليست تأصيلا حكوميا صرفا يتعلق بالسياسات العمومية والبرامج القطاعية المحكومة بأولويات ظرفية أو تدابير استعجالية، بل خيار سياسي استراتيجي يقترن بالسياسة العامة لبلادنا للارتقاء بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية وتطوير مسارها الديمقراطي والتنموي”.
وقال “لم نستوعب بعد كيف سيتم تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية باعتماد مرجعية سياسية رأسمالية محكومة بمنطق اقتصاد السوق وبالمقاربة الليبرالية المحافظة”، معتبرا أن الحكومة “استسلمت أمام التوازنات المالية التقنية على حساب التوازنات الاجتماعية الإنسانية ما يؤكد غياب الوعي السياسي بأولوية البعد الاجتماعي في الأداء الاقتصادي”.
وفي نظره “لا يمكن للحكومة أن تدعم ركائز الدولة الاجتماعية بالإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي وقانون المالية لسنة 2022 لأنها استمرت في تبني نمط المساعدة الاجتماعية العينية من خلال عملها بالدعم المالي المباشر”.
ونبّه الحكومة إلى “أن عليها أن تستوعب أن الدولة الاجتماعية هي دولة الحوار الاجتماعي والتوافقات مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وأنه لا يمكن لمنطق الهيمنة السياسية القائم على الأغلبية العددية أن يحافظ على السلم الاجتماعي الذي يعد شرطا جوهريا من شروط تقوية الدولة الاجتماعية”.
وختم قائلا “الحكومة إذا كانت صادقة في شعارها حول تعزيز الدولة الاجتماعية، عليها أن تلتقط إشارة جلالة الملك في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2020 حين دعا جلالته إلى إقرار “التعاقد الوطني”، وأن تشكل عاملا حقيقيا للتعبئة الجماعية والتغيير الاجتماعي الهادئ”.
نحتاج موارد
رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، اعتبر أنه “لا يمكن إلا الانخراط في التوجهات الاجتماعية، لأنها تتماشى مع مشروعنا المجتمعي الذي أخذنا به من البداية، وهو تلبية حاجيات المغاربة وتحسين مستوى عيشهم”.
في نظره، “ما يعرفه العالم اليوم من تحولات أكثر عمقا مما شاهدناه في أزمة 1929 حيث برزت دولة تدخلية وهو ما أدى إلى نوع من الرخاء الاقتصادي، أما اليوم نحن بحاجة إلى دولة اجتماعية أكثر من دولة تدخلية، ولكن أيضا إلى دولة ديمقراطية، وراعية”.
وقال “الدولة الاجتماعية ليست مجرد شعار للاستهلاك السياسي، فهي إجراءات بعينها، ولا يمكن تحقيقها بدون موارد وذاتية، وهو ما يتأتى بإصلاح ضريبي قائم على العدالة الضريبية، كما أن الدولة الاجتماعية تتطلب اقتصادا قويا ومنتجا وعدالة مجالية واجتماعية”.
دعوة إلى التدارك
بحسب المجموعة النيابية للعدالة والتنمية فإن ورش الدولة الاجتماعية ذو أولوية قصوى لا يقبل المغامرة ولا الإفشال، وهو مرتبط ارتباطا مباشرا بالاستقرار والسلم الاجتماعي.
وأوضحت المجموعة، التي تحدث باسمها عبد الصمد حيكر، أن مفهوم الحكومة للدولة الاجتماعية “يغفل مجموعة من المجالات هي من صميم الدولة الاجتماعية، كالشغل اللائق والطفولة والإعاقة والتضامن والمرأة وغيرها”، داعيا رئيس الحكومة إلى “التدارك”.
وعن مقومات الدولة الاجتماعية، اعتبر أن هناك تركة إيجابية اقتصادية، حسب وصفه، مُعبرا عن استياء المجموعة عن “تراجع” الحكومة عن وعود الانتخابات في ما يتعلق بصندوق المقاصة والتقاعد والتعاقد وغيرها.
ودعا أخنوش للتراجع عن شروط التوظيف في التعليم، معتبرا أن تسقيف السن له انعكاس على صناديق التقاعد.
أما فاطمة التامني، المتحدثة باسم فيدرالية اليسار، فاعتبرت أن الدولة الاجتماعية هي “توازن اجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالحماية من الفقر والمرض والبطالة وتعليم جيد والاستفادة من ثروات الوطن”.
وأبرزت في مداخلتها أن “الإجراءات المُتخذة لا تعكس هذه المضامين، لأنها لم تقطع مع تحرير الأسعار والهشاشة”، داعية الحكومة إلى مراجعة سياساتها واختياراتها.
أخنوش: لا نريد مزايدات
في تعقيبه على كل هذه التدخلات، قال رئيس الحكومة “أحيي النخب السياسية التي تنتقد بموضوعية وواقعية”، وشدد على أن الدولة الاجتماعية مترسخة دستوريا من خلال الفصل الأول الذي يتحدث عن ملكية دستورية برلمانيه اجتماعية.
وأضاف “لا نتحدث عن بناء دولة اجتماعية، بل بتدعيم أسسها، ودفتر التحملات الذي وقعناه مع المغاربة يتضمن التعليم والصحة والشغل، وهذا هو صلب الدولة الاجتماعية، وهدفنا الآن هو تطوير منهجية الاشتغال”.
وأبرز أن قطاع التعليم قطاع مُشغل بدرجة كبيرة، ولكن لا يمكن تحمليه مسؤولية امتصاص أزمة الشغل، لافتا على أن ملف “الأساتذة المتعاقدين” ورش فتحه شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مع النقابات، نحو توجه جديد، وقال “أنا متيقن من أن الحكومة لا يمكن أن تقول إن المشكل صعب لا يمكن حله، بل العكس، والوزير يحاور التمثيليات النقابية، وسيكون هناك جديد في الملف”.
وعن غلاء الأسعار، قال “يجب أن نعي بأن العالم يعيش ظرفية صعبة، ولا يمكن لأحد أن يخمن توقعات في الوقت الراهن، وهناك من يريد استغلال الأمر من أجل مزايدات سياسية، ولكن كولشي واضح، هل من المعقول أن نحاسب حكومة في عمرها 47 يوما، في ظل وضعية يعيشها المغرب والعالم منذ أبريل 2020 وتزايد الطلب العالمي”.
وأكد أن الغلاء المُسجل يخص مواد لا يتم إنتاجها محليا، ولا يمكن التحكم في أسعارها رغم أن الحكومة خصصت 17 مليار درهم لدعمها عن المواطن، قائلا “أسعار السكر والغاز والقمح لم ترتفع، وهذا ضغط ميزانياتي مهم ستستمر فيه الحكومة لدعم القدرة الشرائية للمواطن. والمواد الأساسية موجودة ومتوفرة بأسعار معقولة، وستنخفض في الشهور المقبلة، لأنها غير متأثرة بالخارج”.