الصحافة _ كندا
تشهد الخطوط الملكية المغربية أسوأ مراحلها التقييمية على الإطلاق، بعدما هوت إلى المرتبة 70 عالميًا في تصنيف “Skytrax”، متراجعة بـ15 مركزًا دفعة واحدة، ومكتفية بموقع متأخر خلف خمس شركات أفريقية على الأقل، بينها طيران رواندا ومصر للطيران. وهو ترتيب يعكس أزمة هيكلية لم تعد خافية، ويتجاوز مجرد مسألة ترتيب تقني إلى علامة حمراء على اختلالات الحوكمة وفشل النموذج الاقتصادي والتواصلي لشركة تُصنّف نفسها ناقلًا وطنيًا استراتيجيا.
في عمق هذه الأزمة تتجلى مظاهر الفشل المتكررة التي لم تعد مجرد انتقادات عابرة بل تحوّلت إلى معضلات مزمنة: شكاوى متكررة من مغاربة العالم حول الأسعار المرتفعة، فقدان الأمتعة، تدني مستوى الراحة على متن الرحلات، رداءة خدمات ما بعد البيع، وتجاهل تام لشكاوى الزبناء. هذه العوامل، المتراكمة منذ سنوات، أفقدت الشركة رأسمالها الرمزي في أوساط الجالية والمواطنين على حد سواء، وخلقت فجوة ثقة آخذة في الاتساع.
ورغم الإشارات التي وجهتها الجالية المغربية مرارًا — عبر لقاءات مع وزراء الجالية ومراسلات إلى المؤسسة التشريعية — بخصوص ضرورة التدخل العاجل لإصلاح “لارام”، لم تُسجّل أي استجابة مؤسسية جدية. بل تحوّل ملف الشركة إلى مرآة صادمة للعجز الحكومي عن تطهير المؤسسات العمومية من الفساد البنيوي وسوء التسيير، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة.
الأخطر أن الصمت الرسمي والتبريرات المتكررة باسم “ظروف السوق الدولية” و”كلفة التشغيل” تحوّلت إلى غطاء لتبرير أعطاب داخلية بنيوية: غياب استراتيجية تسعير عادلة، انعدام الشفافية في تدبير الصفقات واللوجستيك، وغياب أي رؤية مواطِنة تُراعي التوازن بين الربح التجاري والوظيفة العمومية للناقل الوطني.
إن تراجع “لارام” لم يعد موضوع تقييمات خارجية فقط، بل أصبح قضية وطنية بامتياز تستدعي فتح نقاش عمومي حول النموذج الاقتصادي والخدماتي للمؤسسات العمومية السيادية، خاصة تلك التي ترتبط بهوية المغرب السيادية وصورته الخارجية. فهل من المقبول أن تواصل المملكة الاستثمار في دبلوماسيتها الاقتصادية، بينما يُنظر إلى ناقلها الوطني كأحد أسوأ مزودي الخدمات الجوية في إفريقيا والعالم؟
إن الوقت حان لربط المحاسبة بالدعم العمومي، ولتقديم أجوبة صريحة عن مصير شركة مموّلة من جيوب دافعي الضرائب، لكنها تُدار بعقلية تجارية ضيقة تحتقر شكاوى المواطنين، وتفشل في مواكبة تحولات المنافسة القارية والعالمية. فإما أن تُصلح “لارام” وتُقوّم بنيتها من الجذر، أو أن يتحمل القائمون عليها كامل المسؤولية التاريخية عن سقوطها.