الصحافة _ وكالات
أظهرت محاكمة مغني الراب المغربي المتهم بـ”إهانة الشرطة”، على أن موسيقى الراب أصبحت شكلا جديدا من أشكال تعبير الشباب المغربي عن سخطه الاجتماعي والسياسي.
ويتابع المغني “سيمو لكناوي”، لقيامه بنشر فيديو في الـ24 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ ظهر فيه غاضباً وساخطا على الشرطة، التي اتهمها بإساءة معاملته وسرقته.
لم تتوقف ردود السلطات المغربية، حول أغنية الراب “عاش الشعب”، عند اعتقال “لكناوي”، فقط، بل تجاوزت ذلك إلى منع مهرجانات هذا النوع الغنائي المتمرد، في المملكة
وشدد مراقبون في المغرب على تفاصيل اعتقال لكناوي يوم فاتح تشرين الثاني/ نوفمبر، إذ جاء بعد نشر أغنية أخرى “عاش الشعب”، والتي غناها مع مغنيي الراب الآخرين “ولد لكريا” (ابن الزنزانة)، و”لزعر” (الأشقر).
سالت هذه الأغنية كالسيل الهادر على الشبكات التواصل، وحصدت 13 مليون مشاهدة على يوتيوب، ما جعلها واحدة من الأغاني الأكثر مشاهدة في الأشهر الأخيرة في البلاد.
وبلغة راديكالية، ووسائل بسيطة، غنى الثلاثة “عاش الشعب”، وهم يظهرون ندوبهم المتعددة على الوجه والصدر؛ بينما ينتقدون سلطات البلاد بوجوه مكشوفة.
محاكمة ومنع
ولم تتوقف ردود السلطات المغربية، حول أغنية الراب “عاش الشعب”، عند اعتقال “لكناوي”، فقط، بل تجاوزت ذلك إلى منع مهرجانات هذا النوع الغنائي المتمرد، في المملكة.
على وقع هذا القرار، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، حسن عبيابة، خلال الندوة الصحفية التي عقبت المجلس الحكومي، اليوم الخميس في رد على سؤال صحفي يستفسر عن العلاقة بين منع أغاني الراب في المهرجانات وأغنية “عاش الشعب”؛ أن، “الأغاني كيف ما كان نوعها، يجب أن تحترم حقوق المواطنين، والثوابت والمبادئ التي تربى عليها المغاربة”.
الوزير المغربي، المعين حديثا، والمثير للجدل، أكد على أن “العكس يقتضي المحاسبة”، مشيرا إلى الأغاني التي تنتقد السلطات، أو تتخطى الخطوط الحمراء.
وأعتبر عبيابة، أن “أي سلوك أو تصرف خارج القانون، صدر عن أي شخص في أي قطاع كيفما كان، ستتم محاسبته عليه”، مضيفا في ذات السياق، إن “المطالبة بمحاسبة المسؤولين، تستدعي من الفرد محاسبة نفسه أيضاً” وقال أن “الفن وسيلة للتعبير والفرجة وليس وسيلة لأشياء أخرى”، ومؤكداً في الوقت نفسه على أن “خرق القانون في أي مجال يجر للمحاسبة باعتبار أن القانون فوق الجميع”.
وتداولت تقارير صحفية محلية، قرار السلطات المغربية، منع حفلات موسيقية ترتبط بأغاني “الراب”، رابطين ذلك بأغنية “عاش الشعب”، التي يتابع قضائيًا أحد أعضاء المجموعة التي غنتها. وفي شريط الفيديو الشهير، وعبر كلمات الأغنية، انتقد المغنون الثلاثة الفقر والظلم والتفاوتات الاجتماعية في البلاد، كما أشادوا بالاحتجاجات بالريف وينتقدون الملك، وهو ما يعني تجاوز “الخطوط الحمراء” في المغرب.
وتؤكد السلطات المغربية على أن متابعة “لكناوي”؛ لا علاقة لها بهذا الفيديو الأخير، ولكن بهجماته السابقة على الشرطة، وأنه لم يتم القبض على مغني الراب أو محاكمته بسبب الأغنية. ولكن بعد متابعة “لكناوي”، فإن نجاح تلك الأغنية هو تعبير، عن صوت شابٍ يشعر بأنه مهمش بشكل متزايد في البلاد، حسب ما يتداوله متابعون للشأن المغربي.
الوتر الحساس
تشير دراسة نشرت في عام 2017، صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، (رسمية)، إلى وجود 2.7 مليون شاب مغربي، تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا “لا دراسة ولا عمل لهم”.
وقال رضى دليل، رئيس تحرير مجلة “تيل كيل”، في آخر مقال افتتاحي للأسبوعية، “إذا كانت أغنية عاش الشعب، قد عزفت على الوتر الحساس، فذلك يرجع إلى أنها لمست واقعًا لا يمكن تجاهله؛ استياء الشباب… وتحديداً أغلبية الطبقات الشعبية، والأكثر عددًا”.
وهذا الشباب، حسب الافتتاحية، لا ينبغي “طمسه تحت سجادة النسيان”.
شباب المغرب، الذي خلص نجيا من وضعه؛ بدأ في التعبير عن نفسه خارج القنوات الكلاسيكية (الأحزاب والنقابات والجمعيات)، وذلك ما تظهره السنوات الأخيرة، كما أصبح سخطه مسموعا بشكل متزايد؛ في ملاعب كرة القدم، وعلى منصات الشبكات الاجتماعية، وكذلك الموسيقى.
ونظرًا لأن محطات الراديو العامة والخاصة؛ وكذلك القنوات الرسمية؛ تهمش هذا الراب “الناطق بالسوء”-حسب رأي البعض- إلا أنه وجد منفذاً على عدة منصات مثل يوتيوب أو إنستغرام أو فيسبوك.
“لكناوي”، شاب يتيم ومن عائلة متواضعة، لكنه شكل جزءً من هذا الجيل الجديد من مغني الراب المغربيين، المؤمنين بالطبيعة المتمردة لهذا النوع الموسيقي، والذي يتناول العديد من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على الشباب المغربي باستخدام الشبكات الاجتماعية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2018، أصدر أغنية “فتحو لبواب” (إفتحوا الأبواب)، التي تحدث فيها عن انتعاش ظاهرة الهجرة غير النظامية، وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلق أغنية “العسكر” ضد عودة الخدمة العسكرية الإلزامية.
وقال أحد مغني الراب المغربيين؛ استشاره “القدس العربي”، أن “لكناوي يعتبر اليوم مغني الراب الأول في المغرب، فهو يستوحي كلمات موسيقاه من الوسط الشعبي والشبابي المحيط به”.
هذا “الرابور” (مغني الراب)، الذي اتصلنا به، أعلن “تبنيه لكل كلمة قالتها الأغنية”، ولكنه في الآن ذاته، طلب عدم ذكر إسمه، معللا ذلك بقوله “لا زلت في بداية الطريق، ولا قبل لي بصراع مع السلطات، على الأقل في هذا الوقت”.
ووفقًا لهذا “الرابور”، فمغنيو الراب، مثل “لكناوي” وغيره؛ يعدون جزءاً من الجيل الجديد من المغنيين الذين أسسوا لقطيعة مع الجيل السابق، من مغني الراب (البيغ ومسلم) الذين اشتهروا بالراب المغربي، كرواد له في بداية العقد السابق، لكنهم تحولوا سريعاً إلى “مغنيين للراب ملتزم، يحابي السلطات”، بعيد كل البعد عن الروح المتمردة لهذه الموسيقى.