الصٌَحافة _ الجزيرة.نت
كيف أصبح الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيسا بالصدفة؟ ولماذا أغلق قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان حميدتي هواتفه؟ وما قصة شقة كتائب الظل في الخرطوم؟ تفاصيل وأسرار جديدة ومن مصادر متعددة تنشرها الجزيرة نت عما حدث خلال الأيام الأخيرة من حكم المشير عمر حسن البشير، ثم الأيام الأولى للانقلاب العسكري الذي أطاح به يوم 11 أبريل/نيسان الماضي، و”الانقلاب الثاني” الذي أطاح بنائبه عوض بن عوف.
لماذا أصر بن عوف على تلاوة البيان الأول رغم اعتراض كبار الجنرالات؟ وماذا كان رده عندما سأله المصريون عن وحدة الجيش؟ وكيف اعترض البشير أكثر من مرة على سيناريوهات الخروج الآمن؟ وكيف تم حسم أمر عزله في اجتماع داخل سيارة عسكرية؟
أين حميدتي؟
التفت المشير البشير سائلا: أين حميدتي؟.. كان ذلك عصر يوم الجمعة (5 أبريل/نيسان 2019) الأخيرة في عمر حكمه الطويل.. مناسبة اجتماعية حاشدة في حي كافوري الذي يقطن فيه غالب رموز المؤسسة الحاكمة.. كان الرد يشير إلى خلافات في وجهات النظر بين حميدتي ورئيس هيئة الأركان الفريق أول كمال عبد المعروف.
لم يكن الرئيس قلقا على مثل هذه الخلافات، بل كان أحيانا يذكيها ويشعل النار بين أطرافها حتى لا يتفق ضده كبار الجنرالات.. لكن ما كان يخشاه تحقق بعد أيام قليلة.
الأحداث لم تتوقف هنا.. في يوم السبت 6 أبريل/نيسان كانت المفاجأة، إذ فتح ضباط في جهاز الأمن للثوار -الذين كانوا يتظاهرون منذ أشهر في الخرطوم ومدن أخرى مطالبين بسقوط البشير- المدخل الغربي للميدان الفسيح أمام قيادة الجيش، ثم بقية المداخل.. كانت تلك الثغرة جزءا من معركة الصراع بين أجنحة النظام المتناحرة.. احتشد الناس في باحة القيادة العامة وأعلنوا عن اعتصام، وأحسن الجند وفادتهم.
في يوم الاثنين 8 أبريل/نيسان اجتمع وزير الدفاع عوض بن عوف والفريق أول كمال عبد المعروف بالرئيس البشير ليبحثا معه حلا مشرفا يقضي بتنازله عن السلطة.. طرح الجنرالين كان دبلوماسيا عبر باب تلمس اتجاهات تفكير الرئيس، لكنه لم يبد أي حماس باتجاه التسوية.
ومع مرور كل يوم كانت الحشود تتزايد في باحة القيادة العامة، وفشلت محاولات كثيرة لفض الاعتصام بسبب تعاطف الضباط من صغار ومتوسطي الرتب مع المعتصمين، حيث أصيب النقيب حامد عثمان حامد أثناء دفاعه عن المدنيين، وتمرد الملازم محمد عمر من سلاح المظلات وتمترس بقواته وسط المدنيين.
قوش: تواصلْ معي على الواتساب
في مساء الثلاثاء 9 أبريل/نيسان كان البشير يعود لقيادة حزبه بعدما أعلن في وقت سابق ابتعاده عن رئاسة الحزب وتفويض السلطات لأحمد هارون. في اجتماع للمكتب القيادي تم تبادل اللوم بين القيادات.. كانت هنالك أكثر من إشارة إلى اتهام الأمن بالتهاون في فتح الثغرة الغربية في باحة القيادة العامة.
لم يرد الرئيس تبديد الوقت وهو يرى النار قد لحقت بأطراف ثوب السلطة الذي امتد ثلاثين عاما.. انتهى الاجتماع إلى قرار فض الاعتصام بقوة مشتركة تمثل الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع.. كان ذلك ما يبحث عنه الرئيس في تلك الأمسية.
صباح الأربعاء 10 أبريل/نيسان كان المهندس محمد وداعة القيادي في قوى الحرية والتغيير يستقبل مكالمة مقتضبة في هاتفه من مدير جهاز الأمن الوطني (المخابرات) صلاح قوش يطلب منه التواصل معه عبر تطبيق “واتساب”.. مدير الجهاز نفسه كان يخشى أن تكون للجدران التي يحرسها آذان.
حاول قوش إقناع وداعة -المنحدر من نفس منطقته الجغرافية- بحمل رسالة تطمين للمعارضة وربما أخبارا سعيدة. لكن وداعة الذي تعلم الحذر من أروقة حزب البعث العربي، اعتذر عن لعب دور “المرسال”، واقترح ترتيب اجتماع مع من عناهم قوش برسالته.
كان قوش يرغب في الحديث إلى زعيم حزب الأمة الصادق المهدي والقيادي في الحزب الشيوعي صديق يوسف وعمر الدقير ويحيى حسين من حزب البعث.. لعب وداعة دور الوسيط في ترتيب الاجتماع الذي عقد ظهرا بمنزل المهدي.
ضيف غير مرغوب
كان قوش قد اتصل بالبشير في إطار خطة التضليل ليخبره أنه سيجتمع بالمهدي وقادة المعارضة لإقناعهم بالانسحاب من أمام القيادة العامة وإلا سيتم إكراههم على ذلك.. وطلب منه الرئيس -الذي بدا غير واثق من رجاله خاصة قوش نفسه- ألا يذهب وحيدا، واقترح أن يذهب معه الفريق بن عوف.
في الميعاد المحدد كان بن عوف مشغولا باجتماع آخر، فحاول قوش استغلال الفرصة ليذهب وحيدا، إلا أن البشير أمره باصطحاب أحمد هارون هذه المرة، حينها أرسل قوش رسالة مقتضبة لوداعة مفادها أن هناك “لغما” للإشارة إلى وجود ضيف غير مرغوب فيه.
في الاجتماع كان هارون متشنجا ومتشددا، خاصة بعدما أخبره المهدي بنيته إمامة المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش في صلاة الجمعة، حيث هدد هارون بأن الاعتصام سيفض بالقوة إن لزم الأمر، وهنا طمأن قوش المجتمعين بأنه لن يتم فض الاعتصام، ثم طلب من المعارضة تقديم رؤيتها للحل، فتحدث المهدي على ضرورة تنحي الرئيس وتكوين مجلس عسكري، واعترض هارون على هذه المقترحات، بينما وعد قوش بنقلها إلى الرئيس.
في مراسم الوداع وفي زحام التحايا، همس قوش في أذن وداعة أن اللجنة الأمنية ستجبر الرئيس على التنحي.. لهذا لم يكن خبر الانقلاب مفاجئا لقادة تحالف قوى الحرية والتغيير.
اجتماع السيارة العسكرية
في يوم الأربعاء 10 أبريل/نيسان عاد وزير الدفاع برفقة رئيس الأركان لزيارة الرئيس في مقر إقامته الملحق بالقيادة العامة للجيش، وفي هذه المرة عرضا عليه بشكل واضح حل التنحي عن السلطة، فكان هو بدوره أكثر وضوحا وغضبا، وأخبرهما بأنه لن يتنحى وأن الشرع “أباح له قتل ثلث الشعب من أجل سلامة الثلثين”.
بل إنه هدد ضيفيه بالإقالة وقال “الحكاية دي لو ما قدرتو عليها سأكلف الأمن والدعم السريع بهذه المهمة”، ولم يكن بوسع بن عوف وعبد المعروف سوى التفكير في خيارات أخرى، فقد بات الرئيس خلفهم والشعب أمامهم والرصاص بأيديهم.
في السيارة العسكرية، وخوفا من أجهزة الرصد والتنصت عقد الرجلان اجتماعا ثنائيا حاسما حوالي الساعة الثانية ظهرا، طرحا فيه إكراه الرئيس على التنحي، وتم الاتفاق، وكان عبد المعروف أكثر جراءة في طرح الخيار.. عاد الوزير ورفيقه إلى مكتبيهما.
في الخامسة مساء من اليوم نفسه، كانت اللجنة الأمنية تعقد اجتماعا خصص لطرح خطة فض الاعتصام.. ترأس الاجتماع عوض بن عوف بحضور رئيس هيئة الأركان ومدير جهاز الأمن ومدير الشرطة وقائد الدعم السريع ومدير الاستخبارات العسكرية الفريق مصطفى محمد مصطفى، والفريق أول عمر زين العابدين نيابة عن قائد التصنيع الحربي.
قبيل الاجتماع كانت تفاهمات ثنائية قد أبرمت، الأول بين قوش وحميدتي، والثاني بين قوش ومدير الشرطة، والثالث بين حميدتي والفريق أول عبد الفتاح البرهان المفتش العام للجيش، والرابع بين حميدتي وبن عوف. ويلاحظ أن أكثر هذه التفاهمات كان طرفها حميدتي، مما عزز إحساس جميع الجنرالات بأن قوات الدعم السريع ستكون القوة المرجحة في معركة خلافة الرئيس.
كما فهم بعضهم أن طموحات حميدتي قد ارتفعت من مجرد مراقبة الأحداث إلى مستوى صناعتها.. كل التفاهمات كانت تفكر في الإطاحة بالبشير، فقط عامل الثقة كان يفرق بين كبار الجنرالات.. هنا اقترح قوش عزل غرفة الاجتماعات وإخراجها من التغطية الإلكترونية، مما يعني استحالة التنصت على الاجتماع أو إرسال أي رسالة من ذات الغرفة إلى الخارج، وانتهى الاجتماع إلى الاتفاق على الإطاحة بالرئيس.
البحث عن البرهان
حتى تلك اللحظة لم يكن الفريق أول عبد الفتاح البرهان جزءا من ترتيبات الإطاحة بالرئيس البشير، حيث لم يكن عضوا في اللجنة الأمنية، وعند منتصف الليل بعث رئيس هيئة الأركان باللواء محمد عثمان حسين لإحضار البرهان الذي كان استأذن لزيارة منزله.
حضر البرهان إلى مكتب رئيس هيئة الأركان حوالي الثانية صباحا من يوم الخميس 11 أبريل/نيسان، وتم إخباره بقرار اللجنة الأمنية، وطُلب منه قيادة وفد يشمله بجانب مدير الاستخبارات واللواء محمد عثمان الحسين لإبلاغ الرئيس بالقرار عقب صلاة الصبح. كما وُجّه بتغيير كتيبة حراس الرئيس المقدر عدد أفرادها بتسعين فردا من غير الحراسة الشخصية، وتم إنجاز المهمة دون مقاومة تذكر، وجيء بقوات من الدعم السريع للقيام بمهمة حراسة الرئيس إلى حين.
في فجر اليوم نفسه خرج البشير من بيته داخل قيادة الجيش متجها نحو المسجد الصغير وهو يحمل مسبحة صوفية في يده اليمنى.. لم يكن قلقا فقد طمأنه مدير الأمن أنهم سيفضون الاعتصام قبل الشروق.. لمح البرهان برفقة عدد من الضباط يخطون نحوه بسرعة، أبطأ البشير خطواته، ظن وقتها أن المفتش العام للجيش يريد التزود بالنصائح قبل خوض المعركة الأخيرة ضد الشعب، لكن البرهان كان يحمل أخبارا سيئة.
احتاج البشير بعض الوقت ليستوعب أنه بات رئيسا معزولا بأمر مرؤوسيه في اللجنة الأمنية التي أوكل لها مهمة فض ما يراه شغبا.. لم يتأكد البشير من تلك الحقيقة إلا بعد أن فتح النافذة التي تفصله عن كتائب الحراس، فوجد أن رجال اليوم ليسوا حراس الأمس، بعدها دخل في تفاصيل البحث عن أمنه الشخصي، مفضلا البقاء في ذات المقر الرئاسي.
مصدر عسكري مطلع أفاد الجزيرة نت بأن البشير كان قد استشعر المخاطر واشتم رائحة “خيانة” قبل منتصف الليلة الأخيرة، فوجه وزير شؤون الرئاسة بإعداد مرسوم بإقالة عوض بن عوف وصلاح قوش، وكان يخطط لتحمليهما مسؤولية فض الاعتصام الذي كان يُفترض أن يتم في الرابعة من صباح ذلك اليوم، واختار الاستعانة بخدمات صديقه الوفي الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الأسبق ليكون في مقام النائب الأول الجديد.
خلاف يؤخر إذاعة البيان العسكري
في الخامسة صباحا كان مذيع نشرة الأخبار في الإذاعة السودانية يتأهب لأداء واجبه الراتب، وسمع وقع أقدام ثقيلة داخل الأستوديو.. عسكريون يأمرونه بأن يزف البشرى لشعب السودان عبر الإعلان عن بيان منتظر من القوات المسلحة، تلك الشفرة كانت تعني للسودانيين أن عهدا جديدا في طريقه إلى التشكل، لكن البيان تأخر بسبب خلافات القادة الجدد.
أعضاء اللجنة الأمنية كانوا يفضلون أن يتلو البيان الأول رئيس هيئة الأركان، باعتبار أن وزير الدفاع يشغل منصب النائب الأول للرئيس، كما أن صحيفته الجنائية الدولية لا تخلو من الإدانات، لكن الفريق بن عوف واجه كل رجاءاتهم بعنت شديد وغضب بائن.. كان يدرك منطقهم، لكنه يعرف جيدا أنه إن لم يظهر في الصورة فسيصبح ضمن سجناء العهد القديم.. في النهاية تم التوافق على البيان وأن يتلوه الفريق بن عوف، مما يعني ترحيل الخلافات إلى يوم آخر.
بعدما أذاع بن عوف بيانه أراد أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع مستقويا بالجيش.. لاحقا بعد الفراغ من البيان وقبل الاتفاق على تشكيل المجلس العسكري، أدى بن عوف القسم وأصر كذلك على أن يؤدي الفريق كمال عبد المعروف القسم نائبا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي.
تلك الخطوة فجرت الخلافات.. موقع الرجل الثاني كان يتنافس عليه كل من قوش وحميدتي.. ربما كلاهما يعتبره الخطوة قبل الأخيرة للوصول إلى مقعد الرئاسة.. هنا اتخذ حميدتي خطوة أشبه بالتمرد، فأغلق جميع هواتفه وأعلن عبر الموقع الإلكتروني لقوات الدعم السريع تعاطفه مع الثوار وزهده في عضوية المجلس العسكري.
تلك الخطوة التكتيكية رفعت من مكانته بين الثوار وخلقت أجواء خوف بين جنرالات الجيش.. وبعد جهود مضنية قادها اللواء الصادق سيد -الرجل الثالث في قوات الدعم السريع وصهر الفريق بن عوف- تم التواصل مع حميدتي لإعادة ترتيب المشهد، وبدأت رئاسة بن عوف تبدو في الغروب مع مغيب شمس اليوم الأول للثورة.
تجدد الخلافات بين الأقوياء
شهد يوم الجمعة 12 أبريل/نيسان تجدد الخلافات بين كبار الجنرالات، حيث اقتنع الفريق بن عوف بالتنحي عقب موجة الرفض الشعبي لشخصه باعتباره أحد رموز النظام القديم.
رفضُ بن عوف وصل إلى عقر داره، حيث كان أحد أنجاله متعاطفا مع شباب الثورة وضغط كثيرا على والده للاستقالة منذ أن كان في منصب الرجل الثاني.. كان خيار بن عوف أن يخلفه على المقعد نائبه كمال عبد المعروف، لكن كان هناك من يعترض.
الذاكرة السودانية كانت تحفظ لعبد المعروف وصفه للمتظاهرين بأنهم “شذاذ الآفاق”، كما أن خلافات عميقة بينه وبين حميدتي عادت إلى السطح، حيث اشترط حميدتي ألا تتبع قوات الدعم السريع لرئيس المجلس العسكري في حالة اختيار عبد المعروف، وفي الناحية الأخرى كان البرهان قد حقق طلعة شعبية ناجحة حيث خرج إلى جموع المعتصمين أمام القيادة مطمئنا في يوم الثورة الأول، إضافة إلى علاقة قديمة ومتجددة تجمعه مع الفريق حميدتي مذ كانا معا في سلاح حرس الحدود، إلى تنسيقهما مشاركة السودان في الحرب التي تقودها السعودية على اليمن، ثم أثناء تقلد البرهان منصب مفتش للجيش.. وهكذا تم التوافق على رئاسته للمجلس الانتقالي رغم أنه الرجل الرابع في هرمية الجيش.
بعد التفاهم مع حميدتي تم عقد اجتماع في الخرطوم بإحدى البنايات التابعة لقوات الدعم السريع، شارك فيه بن عوف الذي كان وقتها لا يزال رئيسا للمجلس العسكري وما يزال قوش أيضا مديرا للمخابرات.
كان الاجتماع صريحا وحاسما وفقا لمصدر عسكري مطلع.. اتضح للفريقين أن حميدتي أحكم التنسيق مع أكثر من جهة، ومن ثم لا يمكن استبعاده من كعكة السلطة.. هنا حسم أمر توليه منصب نائب رئيس المجلس الجديد.
وقبل أن يفرغ القادة الجدد من اجتماعهم كان على الباب العميد محمد إبراهيم عبد الجليل -المعروف في الجيش بود إبراهيم- الذي قاد محاولة انقلابيه فاشلة ضد البشير عام 2012.
هدد “ود إبراهيم” بتحريك أنصاره في الجيش للقيام بمحاولة انقلابية تم إعداد بيانها الأول، ووعده الجنرالات باستيعابه في عضوية المجلس الجديد إذا ما صرف النظر عن استخدام القوة.. بعد انصرافه قلل قوش من قدرات “ود إبراهيم” في القيام بأي انقلاب، ولاحقا تمت إحالة عدد من الضباط الذين يشتبه في تعاطفهم معه إلى التقاعد.
الأيادي الخارجية
قبل أسبوعين من تعيينه نائبا أول لرئيس الجمهورية، زار بن عوف القاهرة يوم 13 مارس/آذار 2019 برفقة قوش. في تلك الزيارة طرح المصريون سؤالا عن تماسك ووحدة الجيش أمام الضغوط الشعبية، فكانت إجابة بن عوف بنعم، بينما كان قوش أكثر صراحة مع المصريين حيث قدم لهم كل السيناريوهات المتوقع حدوثها في ما يشبه نعيا لنظام البشير.
الاتصالات الأخرى مع الإمارات والسعودية أحكم تنسيقها الفريق طه عثمان، خاصة مع صديقه حميدتي، ولم تتمكن الجزيرة نت من الحصول على معلومات إضافية، إلا أن كثيرا من الروايات المتداولة بعد الانقلاب أكدت أن أبو ظبي والرياض كانتا في الصورة وربما علمتا بالتحضير للإطاحة بالبشير.
بات البرهان رئيسا للمجلس العسكري بينما خطف حميدتي مقعد الرجل الثاني، وتمت ترقيته إلى فريق أول، بينما اعتذر الفريق عبد المعروف عن قبول أي منصب، حيث عرض عليه البقاء في رئاسة هيئة الأركان، لكنه رفض بحجة أنه الأقدم في الخدمة من كل أعضاء المجلس العسكري، وبذات المنطق تم الضغط على قوش لينسحب من عضوية المجلس الجديد باعتبار أن أقدميته تمثل عائقا.
لكن مصادر عزت الإبعاد إلى نصيحة غالية من الفريق طه الحسين المدير الأسبق لمكاتب الرئيس المعزول، والمستشار بالديوان الملكي السعودي وغريم قوش السابق.. لاحقا تم قبول استقالة الثلاثي الفريق عمر زين العابدين والفريق بابكر الطيب مدير الشرطة والفريق جلال الشيخ الطيب الذي خلف قوش في إدارة جهاز الأمن، حيث اتهمهم الثوار بأنهم من أنصار حزب البشير، فقدمهم البرهان قربانا للتقرب زلفى لتحالف الحرية والتغيير، أحد أبرز مكونات الثورة الشعبية.
لاحقا استقال مدير الاستخبارات العسكرية الفريق مصطفى محمد مصطفى بعد خلاف حاد مع حميدتي، وحسب مصدر مقرب فإن الخلاف تركز حول حجب الفريق مصطفى معلومات تتعلق بمجموعات عسكرية وأسلحة تم ضبطها في الضاحية الشرقية للخرطوم، عرفت بقضية كتائب الظل، وهي مليشيا شبه عسكرية تناصر النظام السابق، بجانب معلومات أخرى.
ثلاثة من أبرز الغاضبين سافروا إلى المملكة العربية السعودية بصحبة أسرهم، وهم بن عوف وعبد المعروف، وعضو المجلس العسكري الأسبق الفريق جلال الشيخ، بينما تتضارب الأنباء عن مكان قوش، إلا أن مصادر مطلعة أكدت وجوده في مصر. أما الفريق عمر زين العابدين فعاد إلى عمله بالتصنيع الحربي، ولزم الفريق مصطفى داره ممتنعا عن الرد على كل الاتصالات الهاتفية ومتعللا بظروف صحية.