الصحافة _ كندا
في مشهد سياسي لافت، تحوّلت الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، مساء الاثنين، إلى منصة علنية لتصفية الحسابات داخل الأغلبية الحكومية، بعدما تعرّض وزير الصحة، أمين التهراوي، لهجوم حاد من طرف برلمانيات وبرلمانيين محسوبين على الأغلبية نفسها، في موقف غير مسبوق يُسائل حقيقة الانسجام الذي تدّعيه الحكومة.
الوزير، الذي بدا متأثراً ومتفاجئاً من حجم الانتقادات، عبّر عن امتعاضه من “غياب التضامن الحكومي” ووجّه إشارات واضحة إلى عزلة يشعر بها داخل فريق حكومي يُفترض فيه التنسيق والدعم المشترك. وبرغم انتمائه لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الائتلاف الحكومي، إلا أن الهجمات جاءت هذه المرة من داخل البيت نفسه، ما جعل التساؤلات تتكاثف حول مستقبل هذا التحالف الثلاثي، ومدى صلابته قبيل الاستحقاقات المقبلة.
وفي سابقة تعكس تصدعًا داخليًا، وجّهت رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، الشريك الثاني في الحكومة، انتقادات لاذعة للوزير، متهمة إياه بعدم التجاوب مع طلبات برلمانيي الحزب، ورفضه التواصل أو حضور اجتماعات التنسيق. كما انضم إلى هذا الهجوم برلمانيون من حزب الاستقلال، ثالث مكونات الأغلبية، في ما بدا وكأنه اصطفاف مزدوج ضد حزب الأحرار، وتحديدًا ضد أحد أبرز الوزراء المقربين من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش.
هذا التصعيد الميداني لم يكن معزولاً عن سياق أعمق، بحسب عدد من المتابعين، الذين ربطوا ما جرى بـ”خلافات صامتة داخل الأغلبية حول التعيينات والمناصب والامتيازات”، تُدار خلف الكواليس، وربما بلغت بابًا مسدودًا دفع بالحليفين الأصغر إلى توجيه رسائل ضغط سياسية من داخل قبة البرلمان.
في المقابل، لم يُخفِ رئيس فريق حزب التجمع الوطني للأحرار تذمّره من ما اعتبره “تغيرًا مفاجئًا في خطاب الأغلبية”، داعيًا إلى احترام الالتزامات السياسية ومبادئ التحالف الحكومي، وهو ما قرأه البعض كتعبير عن حالة ارتباك داخل الحزب الذي يقود الحكومة.
وتعيد هذه المشاهد إلى الأذهان ممارسات سابقة خلال تجربة حكومة العدالة والتنمية الثانية، حين كان حزب الأحرار، بقيادة أخنوش، يُتهم بإرباك الأغلبية من الداخل، وبتبنّي أسلوب المعارضة من داخل الحكومة، عبر امتناع بعض وزرائه عن الحضور، أو عرقلة بعض مشاريع القوانين، وهو ما اعتُبر وقتها تكتيكًا سياسيًا موجهًا لإضعاف رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.
واليوم، يقول كثيرون إن التاريخ يُعيد نفسه، ولكن بشكل مقلوب، حيث يتجرّع الأحرار من نفس الكأس، بعد أن تحوّلوا من موقع المشتكي إلى موقع المُشتكَى منه. وبين الخلافات البرلمانية، ومفاوضات الكواليس، وغياب التنسيق، تتهاوى أسطورة “تماسك الأغلبية” التي كانت تُروّج منذ تشكيل الحكومة.
وإذا كان الحاضر يُفسَّر بالماضي، فربما يكون المثل المصري الأصدق في هذا السياق:
“يا خبر بفلوس، بكرة يبقى ببلاش”.