الصحافة _ وكالات
في قلب العاصمة المغربية، وبين حي أكدال، ووسط المدينة، يتواجد حي العكاري. حي شعبي تتوسطه مقاطعة حضرية (إدارة عمومية) ذات بناية جديدة وأنيقة، تتاخمها سكة الخط الثاني لـ”الترام واي” الذي ينتهي سيره عندها، هذا الحي هو واحد من الأمثلة التي تعكس بساطة الرباط، وتفند النظرة الإجمالية لتعالي سكان العاصمة السياسية للمغرب.
باعة ومشردون
في هذا الحي الشعبي، الذي تتماوج في هوائه روائح شواء اللحم وسمك السردين، والمأكولات الخفيفة التي تباع عند كل ناصية زقاق وشارع، يستوقفك مشهد متناقض حد الصخب، إذ تتوقف سيارة فارهة ينزل منها شاب يبدو من الوهلة الأولى أنه ابن عائلة ثرية، وعلى مقربة منه يجلس صبي متشرد على الأرض، يشتم مادة مدوخة بين يديه، وكلب “قانع” باسط ذراعيه جنبه، كأنهما تقاسما معا تأثير المادة المدوخة، كما يتقاسمان التشرد وبؤس الحال.
هنا كل شيء شعبي، تحايا الناس الخالية من “النمط المتصنع” أحاديث النسوة اللائي يثرثرن هنا وهناك، وكلام الرجال الصاخب.
في مدخل السوق الضيق، وبين الخضراوات، والفواكه والأواني المنزلية، تعرض “خالتي فاطمة” كما يسميها الجميع، الخبز الذي صنعته يداها، وما زالت مستمرة، لأكثر من 15 عامًا، حيث تكسب مقدارا يصل إلى المئة درهم في اليوم (حوالي 10 دولارات) تقول لـ”القدس العربي” بقناعة ورضى أن “في ذلك كفايتها، أفضل من اللا شيء”.
الخالة فاطمة، تعيش في الحي ذاته، تكتري بيتا صغيرا لها رفقة ابنتيها، يكلفها حوالي 800 درهم شهريا (حوالي 90 دولارا) تدفعها من موارد بيع الخبز، ولكن مع النظام الجديد للسلطات المغربية، ومطاردة المتجولين، هبط ثقلٌ جديد على ظهرها “نحن نشبه القط والفأر. وأعتقد أنه من المذل أن نكسب من التسول أكثر مما نكسب من البيع”.
حراس سيارات عشوائيين
في الشارع الرئيسي، وأمام المقاطعة الحضرية يقف شاب في العشرينيات من عمره، حنطي البشرة، ومفتول العضلات، يرتدي سترة صفراء، فاقع لونها لا تسر أصحاب السيارات.
فجأة يعلوا صراخ الشاب الذي يمتهن حراسة السيارات بشكل غير نظامي، مع أحد مالكي السيارات المركونة في الشارع، يكاد الجدال يتطور، لولا تدخل المارة، فيما يقول مالك السيارة “هذه الأنواع أصبحت تسرق دراهمنا عنوة من جيوبنا يوميا، من دون وجه حق” وفي مقابل ذلك يقول الشاب بتذمر “نحن نترزق على باب الله، ونحرس سياراتهم في الحر والقر!… أم يريدوننا أن نصبح قطاع طرق؟”.
“الجوطية”
في الجزء الآخر من السوق، الذي كان قبل زمن من اليوم مجموعة أكواخٍ “براريك” من الصفيح، يوجد قسم الأثاث والمفروشات الجديدة والمستعملة، والملابس والتحف، وكل ضالة زبناء السلع المستعملة، الذين يحجون لما يسمى بالدارجة العامية “جوطية العكاري”.
تستقبلك “الجوطية” بصخبها المعهود، مساومات بين بائع وزبون، وذاك تاجر آخر ينادي على زميل له، متسائلا عن (صرف/ فكة) مئتي درهم، وتلك نسوة يتشحن جلابياتهن، يسألن عن ثمن مائدة أكل وكراسيها. إنه سوق نحتته الثقافة المغربية بكل سجيتها، وتنوعها.
لـ”الجوطية” تاريخ طويل مع سكان الحي، فالأغلبية قد أدمنت التجول فيها على غير هدى، وبلا غاية محددة سلفا، يتجول الواحد على عواهنه، ينظر ذات اليمين وذات الشمال في المعروضات، ملء جفونه، حتى إذا ما أبصر شيئا يعجبه، توقف للسؤال عن ثمنه وشرائه.
حي العكاري، الذي يتفاخر البعض بأنه صدر عبد الإله بن كيران، أشهر السياسيين في المغرب، وأكثرهم إثارة للجدل، رئيس الحكومة المغربية، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا، هو حي لا يمثل نشازا في سمفونية الأحياء الشعبية في ربوع المملكة العلوية، فهنا يمكن لك أن تجد نساءً مقاتلات في جبهات البحث عن الرزق، وإعالة أسرهن، بالقليل من الخبز، أو القطاني، أو ملابس النساء الداخلية.
كما يمكن لك مصادفة سيدة مغربية تدير محلا تتعدد بضاعته، وهنا أيضا “أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ” كما نحتت قريحة الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي رائعته “في القدس”.