الصحافة _ كندا
في خضم احتقان اجتماعي متصاعد وتصدعات سياسية باتت تطفو إلى السطح، اختار نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش، أن يطلق قذيفة سياسية ضد التوجهات الفلاحية للحكومة، متهماً إياها بخدمة “كبار الفلاحين والمستوردين” على حساب الفلاحين الصغار، في خطوة أقل ما يقال عنها إنها تعكس انفصاماً سياسياً واضحاً داخل الأغلبية.
تصريحات بركة، التي التقطتها “بلبريس” خلال المؤتمر السادس للاتحاد العام للفلاحين، جاءت بنبرة هجومية خالفت واجب التضامن الحكومي، لتطرح علامات استفهام حول مصداقية مشاركته في قرارات ينقلب عليها في العلن. فأن يتهم وزير داخل الحكومة التي ينتمي إليها حزبه، السياسات العمومية بالفشل والانحياز، فذلك لا يعكس نقدًا بنّاءً بقدر ما يكشف تملصًا سياسياً يهدف إلى تصريف الغضب الشعبي دون تحمل الكلفة.
ليست هذه المرة الأولى التي يختار فيها بركة ركوب موجة التبرؤ العلني من قرارات شارك حزبه في توقيعها. فبعد “فضيحة دعم مستوردي الأضاحي” السنة الماضية، التي قدّرها بـ13 مليار درهم دون أثر على الأسعار، ها هو يعود اليوم لينتقد السياسات الفلاحية ويضع نفسه في موقع “المدافع الوحيد عن الفلاح الصغير”، متناسياً أن وزراء حزبه يباركون هذه السياسات من داخل المجالس الحكومية.
السؤال الجوهري لم يعد متعلقاً بموقف حزب الاستقلال من السياسات الحكومية، بل بمدى جدية التزامه بتحالف أُسس على قاعدة التوافق، لا المناورة. فهل يسعى نزار بركة إلى إعادة تموقع سياسي قبل الانتخابات المقبلة، عبر لعب دور “معارضة ناعمة من الداخل”، أم أن تصريحاته مجرد محاولة لامتصاص الغضب الشعبي في لحظة تآكل الثقة في الطبقة السياسية ككل؟
في كلتا الحالتين، ما بات واضحاً هو أن خطاب بركة لم يعد يُقرأ فقط كرسالة تنبيه من داخل الأغلبية، بل كعلامة على بداية تصدع تحالف هشّ، يترنح بين ولاءات ظرفية وصراعات زعامة مؤجلة.