بقلم: عبد السلام الموساوي
شكرا الملك على المبادرات الإنسانية النبيلة والعظيمة….شكرا الملك الذي يقود المغاربة في مواجهة الجائحة ومواجهة الهشاشة وصيانة كرامة جميع المغاربة…شكرا الملك محمد السادس؛ ففي مدينة فاس، ترأس، الأربعاء14 أبريل 2021، بالقصر الملكي، حفل إطلاق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة به.
وسيستفيد من هذا الورش الملكي، في مرحلة أولى، الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة، ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى، في أفق التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية.
تذكير ؛ خطاب العرش 29 يوليوز 2020 كان خطابا بنفس اجتماعي متقدم، تعودناه من الملك في خطبه كلها، منذ اعتلائه العرش، لكن الخطاب الأخير، وهو يأتي في زمن خاص من نوعه ، يسميه الكل ” زمن كورونا ” جعل لهذا النفس الاجتماعي معنى آخر ووزنا أكبر .
الاستفادة من الجائحة ومن دروسها ومن المحنة الصحية والوبائية والاجتماعية والمجتمعية التي يمر منها العالم بأسره وضمنه بلدنا، تلك كانت هي النبرة الناظمة لخطاب العرش الذي تابعه المغاربة جميعا بكبير الاهتمام .
استفادة تعيد ترتيب أولوياتنا المغربية، وتضع في اعتبارها الأساس أكثرنا هشاشة الذين لا يمكن أن نتركهم على قارعة الطريق وأن نمضي، لأن هذا الأمر مستحيل، وبلدنا سيسير بنا جميعا أو لن يسير .
المغرب، وملك المغرب قرر له منذ البدء أن يسير بنا جميعا، وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها جلالة الملك عن الفئات الهشة وعما يجب أن تفعله لإخراجها من وضعيتها.
لكن هاته المرة ذكرنا الملك أن ما قاله في خطبه كلها أكدته الأيام، وأكده أساسا الزمن الصعب المسمى ” زمن كورونا ” .
لذلك كان الرد واضحا على سؤال الهشاشة هذا من خلال رصد مبلغ مالي ضخم لمواجهتها ، ومن خلال وضع خطة لا تتجاوز مدتها السنوات الخمس لأجل أن ندخل جميعا – دون استثناء – نظاما اجتماعيا يغطي لحظات ضعفنا ، ويؤكد لنا أننا – جميعا – مرة أخرى أبناء وبنات هذا البلد وأنه لن يفرط فينا وأننا لن نفرط فيه.
كان خطابا متميزا مرة أخرى، وكان خطابا بنفس اجتماعي متقدم ذكرنا جميعا بأن ما يمسنا يمس ملك البلاد، وأن الشعور متبادل حتى الختام..
يشكل هذا المشروع المجتمعي، الذي يحظى بمتابعة واهتمام خاصين من طرف الملك، ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية ….
الملك محمد السادس عرش متحرك يتربع داخل قلوب الشعب….
هناك إجماع وطني، يوحد المغاربة حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، وأولها ” الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن ، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته ، وتعمل على التجاوب معها ” ، وثانيها ، مواصلة مواصلة الخيار الديمقراطي والتنموي بعزم وثبات . يقول الملك عن الملكية المواطنة ” يعلم الله أنني أتألم شخصيا ، ما دامت فئة من المغاربة ، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة. لذلك أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة….”
إن الملكية تمثل النظام الوحيد الذي جمع ووحد المغاربة حول مشروع وطني لبناء الدولة من منطق مغربي خالص، في غياب أي تصورات أو مشاريع يمينية أو يسارية أو غيرها حقيقية للبناء. فهي المؤسسة الوحيدة، التي استطاعت أن توفق بين التاريخ والحاضر من أجل المستقبل، بدون حسابات شخصية أو سياسوية، وإلا كان مصيرها كعدد من الأنظمة في فضائنا العربي والثقافي والجغرافي : الاندثار والتفكك والتطاحن الدموي….
إن الملكية هي المؤسسة الوحيدة التي أتقنت فنون تدبير التناقضات الداخلية والخارجية، وخلقت توازنا لاستمرار الدولة والمجتمع . فالملكية المغربية هي ملكية تدبيرية، وليست تنفيذية كما يقول البعض ، ذلك ان الملك يضع التصورات الكبرى ويرسم الخطوط العريضة ليس فقط لتدبير مرافق الدولة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية، وإنما أيضا يحدد هوامش التفاعل مع المجتمع ومختلف الأفكار الرائجة فيه ….
المغرب بقيادة محمد السادس يشق طريقه نحو المستقبل ، وهو طريق ملكي …يشتغل، يفتح الأوراش الكبرى .. في إطار ” البيعة المتبادلة بين العرش والشعب “.
منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية رأينا أن الملك في مختلف صوره ووظائفه، رأيناه رئيس دولة مكلف بالسهر على حماية المواطنين وضمان السير العادي لمؤسسات الدولة.
ورأيناه أميرا للمؤمنين يقبل على قرارات شجاعة، وأخرى إنسانية، ثم رأيناه أيضا قائدا أعلى للقوات المسلحة ، وناظرا أعلى للأوقاف والشؤون الإسلامية …كل خزانه الدستوري استعمله دون أن تطأ قدماه خارج الدستور .
في الواقع ملك المغرب محظوظ جدا ، ومصدر حظه أنه تمرس مبكرا على ما يشغل الحكومات حاليا على الصعيد الدولي : ألا تتحول التدابير الإستثنائية إلى سلطوية، وأن لا ينهار الاقتصاد، ولا يدفع الفقراء وحدهم فاتورة الكارثة أو القوة القاهرة .
منذ توليه العرش كان الاقتصاد شغله الأول، ووصف ” ملك الفقراء ” حينها يختزل الكثير من التمثل الشعبي لملك أختار أن ينتصر للفئات الهشة ، وحتى مع ظهور التهديدات الإرهابية لم نطبق قاعدة الأمن اسبق من الديموقراطية . وحين هبت رياح ” الربيع العربي ” كانت الوصفة قد اختمرت : الديمقراطية والنمو والتنمية، وبها خرج المغرب من منطقة الزوابع الإقليمية والوصفة نفسها اليوم تعود للاشتغال بشكل مكثف ليخرج البلد من حالة الوباء القاتل .
وفي كل ما عشناه مع الوباء ، كنا تحت قيادة ملك يدرس المعطيات الموضوعية جيدا ، لكنه يضيف إليها كثيرا من الحدس والجرأة ، وأساسا القدرة على التضحية، تلك القيمة التي قال عنها الآخرون من الجهات الأخرى من العالم: ملك المغرب يضحي باقتصاد بلده من أجل شعبه .
وما ميزنا عن غيرنا هو تلك الحكامة التي كانت في القمة من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات في وقتها وبصمت وبمسؤولية وجرأة ، وهذه المنهجية هي التي ساعدت على مواجهة هذا الوباء .
اليوم صدق المغاربة والمغربيات . اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه . اليوم الكل يقول شكرا الملك .
عم ارتياح جماعي المغرب كله ، دليلا على أن أغلبية الشعب وأغلبية الناس وأغلبية المغاربة تريد لهذا الارتياح أن يسود المغرب … شكرا الملك .
أحاسيس ارتياح حقيقية تعم المغربيات والمغاربة وهم يرون كبير الأسرة، كبير الوطن يقود بنفسه الحرب ضد هذه الجائحة ويقود ثورة اجتماعية..