يحظى المغرب منذ فترة طويلة بسمعة واحد من أكثر البلدان تقدمًا في العالم الناطق بالعربية. عندما اجتاحت الاحتجاجات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنة 2011، تحدث العديد من المراقبين عن “الاستثناء المغربي” و “النموذج المغربي”، في إشارة إلى سلسلة من الإصلاحات الليبرالية التي أجراها الملك.
لكن الكثير عانوا خلال السنوات القليلة الماضية من فجوة كبيرة بين تلك الوعود بالمزيد من الحرية والقمع المستمر على أرض الواقع.. أحد هؤلاء هوالصحفي عمر راضي الذي يواجه الآن عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى سنة، فيما يبدو بسبب تغريدة على تويتر.
هذا الحادث كان سيكون سيئا في حد ذاته، ولكن قضية عمر في الواقع تشكل رمزا لتوجه اوسع بكثير: إنه التآكل المتزايد للصحافة المستقلة المغربية التي كانت نشيطة للغاية في زمن مضى حتى وجد العشرات من الصحفيين والنشطاء أنفسهم وراء القضبان.
قضية الراضي بدأت في أبريل الماضي عندما كتب تغريدة على تويتر أدان فيها حكم القاضي على العشرات من القيادات البارزة في حراك الريف، وهي حركة احتجاجية مستميتة اندلعت في منطقة الريف، شمال البلاد، في أكتوبر من سنة 2016، يطالب فيها المتظاهرون بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وفرص للشغل ومستشفيات وبنى تحتية أفضل. حكم القاضي على كل واحد من النشطاء بالسجن لمدة تصل إلى 20 سنة، وهي الأحكام التي لقيت إدانة واسعة النطاق من طرف المراقبين الدوليين.
بعد أن نشر الراضي أول تغريدة تنتقد حكم القاضي في أبريل، استدعته الشرطة في نفس الشهر واستجوبته لمدة ساعات، ثم أخلت سبيله ولم توجه له أي تهمة. بعدها بثمانية أشهر، في 26 ديسمبر، قررت النيابة العامة توجيه الاتهام إلى راضي “بإهانة موظف حكومي” وتم تحديد موعد جلسة الاستماع التالية في الثاني من يناير، وحينها قد ينطق القاضي بحكم.
التقيت بالراضي أول مرة سنة 2011، في أوج حركة 20 فبراير، النسخة المغربية من الربيع العربي، بصفتي صحفية أمريكية مغربية مستقلة وصلت لتوها إلى الرباط قادمة إليها من واشنطن، فاكتشفت بسرعة أنه أحد الصحفيين الذين يحظون بالكثير من الاحترام في هذا المجال: التزامه بالنزاهة والصحافة الصادقة يقدم نموذجا مفعما بالأمل حول مستقبل المغرب.
وقتها، عندما انطلقت الاحتجاجات لأول مرة سنة 2011، أصابني الراضي بعدوى التفاؤل بشأن إمكانية العبور إلى مغرب أكثر ديمقراطية. وقال ذات مرة في واحدة من الأمسيات الكثيرة التي كانت تجمعنا مع زملائنا الصحفيين لمناقشة أحداث اليوم: “إن الديكتاتوريين الوحيدين الذين لن يسقطوا هم الذين ماتوا”.
“عمر الراضي واحد من الصحفيين المغاربة القلائل الذين يتتبعون عن كثب أنشطة الهولدينغات المالية الملكية ويوثق الكيفية التي يراكم بها الملك الثروة بينما يصر مستشاروه على أنه “ملك الفقراء”. إن الأخبار المالية في المغرب لها وقع سياسي خطير في هذا البلد الذي لا تستطيع أن تراكم فيه رؤوس الأموال إلا إذا كنت صديقا أو حليفا للملك.
إذا كنت قد قرأت يومًا روبورتاجاً دوليا عن المغرب، سواء في السياسة أو الثقافة أو الاقتصاد، فثمة احتمال كبير جداً أن يكون الراضي مشاركا فيه خلف الكواليس، إما كمصدر أو فقط بتقديم المساعدة العملية في إعداد التقارير. إن عمله لا يقدر بثمن، بالنظر للاستهداف والطرد الذي يطال الصحفيين الأجانب تماما كما يتعرض الصحفيون المحليون للسجن.
التعبير عن الرأي في المغرب صار مغامرة خطيرة. فالصحفي حميد المهدوي يقضي عقوبة حبيسة مدتها ثلاث سنوات، ومغني الراب محمد منير الملقب بـ”الكناوي” يقضي عقوبة مدتها سنة في السجن، كما حكم على ناشط اليوتوب محمد السكاكي الملقب بـ”مول الكاسكيطا” بأربع سنوات حبساً في نفس اليوم الذي اعتقل فيه عمر الراضي. و”الجريمة” المزعومة المرتكبة في كل هذه الحالات هي نفسها: الجرأة في إبداء رأي سياسي. وقد سبق لنا، عمر وأنا، أن عبرنا عن قلقنا بشأن حرية الصحافة في تقرير نشرته لجنة حماية الصحفيين في وقت سابق من هذه السنة.
ووفقا للمنظمة الدولية “مراسلون بلا حدود”، التي تدافع عن حرية الصحافة، فإن المغرب يحتل المرتبة 135 من بين 180 دولة حول العالم. لنأخذ مثلا قضية الصحفيين الأربعة الذين أنجزوا تحقيقًا في لجنة برلمانية بشأن مزاعم الفساد المزعوم في إدارة الصندوق الوطني للتقاعد، لقد تمت إدانة الصفيين الأربعة في يناير 2018، وصدرت في حقهم أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ. هذا فضلا عن المواقع والصحف المعروفة بتقاريرها الاستقصائية المنتقدة، التي عانت من مقاطعة الإشهار، حتى أجبرتها ظروفها المالية على تغيير خطها التحريري، في حين تم إغلاق مواقع أخرى بسبب كتاباتها.
ومن سخرية الأقدار أن المغرب الذي كان يُعتبر في المنطقة، أصبح اليوم تطوره السياسي متخلفاً بشكل واضح قياسا مع جيرانه في شمال إفريقيا. لقد ظلت العديد من الإصلاحات الموعودة سنة 2011 حبرا على ورق، مما يعزز انتقادات المعارضين الذين قالوا إن التغييرات المقترحة لن تؤدي إلا إلى تعميق سلطة الملكية. وفي الوقت الذي حققت فيه تونس تقدماً كبيراً نحو الديمقراطية، وتشهد فيه الجزائر بتحولا سياسيا، بقي المغرب عالقًا في أساليبه الاستبدادية.
لو كان عمر الراضي يعيش في بلد يقدر حقا حرية الصحافة، سيكون صحفيا حائزا على جوائز، وسيتم الاحتفال بعمله وإنجازاته. لكنه اليوم يقبع في السجن، في انتظار ما سيكون، بكل تأكير، محاكمة غير عادلة في حق صحفي.
*المصدر: الموقع الإخباري “لكم”.