مغاربة العالم… رأسمال استراتيجي في قلب المشروع الملكي للتنمية الشاملة

30 يوليو 2025
مغاربة العالم… رأسمال استراتيجي في قلب المشروع الملكي للتنمية الشاملة

الصحافة _ كندا

منذ أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية سنة 1999، وضع أبناء الجالية المغربية في صدارة أولويات الدولة، مؤمنا بأن مغاربة العالم ليسوا مجرد امتداد سكاني خارج الوطن، بل طاقة حيوية وفاعلاً تنموياً واستراتيجياً في مشروع المغرب الحديث. لقد حرص جلالته على أن يكون صوت الجالية حاضراً في كل مسارات الإصلاح، وعلى أن تُصاغ السياسات العمومية بما يحترم هويتهم المزدوجة، ويصون ارتباطهم بالوطن، ويعزز أدوارهم في النهوض بالاقتصاد الوطني، والدفاع عن القضايا الكبرى للمملكة.

إن التحول النوعي الذي عرفه ملف مغاربة العالم، كما يبرز ذلك الخبير في العلاقات الدولية عمر المرابط، لم يكن محض صدفة، بل ثمرة توجيه ملكي واضح يقوم على ثلاث ركائز متكاملة: تقوية الإطار المؤسساتي، تحديث البنية التشريعية، وإعادة هيكلة الخدمات القنصلية. فقد شهدت المملكة منذ سنة 2007 إنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي كُرّس لاحقا في دستور 2011، ليكون فضاءً تشاورياً واستراتيجياً يعكس تطلعات الجالية، ويُبلور سياسات تراعي تعقيد واقع الاغتراب وتعدد خصوصياته.

أما على مستوى التشريع، فقد انخرط المغرب في إصلاحات قانونية عميقة، لعل أبرزها التعديل الجوهري في مدونة الأسرة، والذي مكن الأم المغربية من نقل جنسيتها لأبنائها، في خطوة حضارية أنهت عقوداً من الحيف القانوني، وأسهمت في معالجة عدد من الإشكالات المرتبطة بحالات الطلاق والزواج المختلط. إنها إصلاحات لم تكتف بمعالجة قضايا الجالية، بل عززت صورة المغرب كدولة تنصت وتعدل وتبادر.

وفي الشق القنصلي، شهدت السفارات والقنصليات المغربية نقلة رقمية وخدماتية ملموسة، سهّلت ولوج الجالية إلى الوثائق والمعاملات الرسمية، وكرست مفهوماً جديداً للتمثيلية الدبلوماسية، عنوانه القرب من المواطن، والاحترام لكرامته. ورغم استمرار بعض التحديات في تنظيم المواعيد والضغط الموسمي، إلا أن المؤشرات العامة تشير إلى تطور لافت في جودة الاستقبال والمعالجة، بفضل إرادة سياسية تؤمن بأن الجالية تستحق أفضل ما لدى الدولة.

اقتصادياً، تترجم التحويلات المالية لمغاربة الخارج هذا الارتباط القوي والمتجدد بالوطن الأم. إذ ارتفعت تحويلاتهم من معدل سنوي لا يتجاوز 30 مليار درهم بداية الألفية، إلى سقف 120 مليار درهم في سنتي 2024 و2025، وهو ما يؤكد عمق الثقة في استقرار الاقتصاد المغربي، وقدرته على امتصاص الصدمات، كما حصل إبان جائحة كورونا. فهذه التحويلات ليست مجرد عملات صعبة، بل شهادات محبة والتزام ووفاء للوطن.

وإذا كان الاستثمار في القطاعات المنتجة ضرورة وطنية، فقد حرص الملك على تشجيع الجالية على تنويع استثماراتها، بالخروج من الطابع العقاري التقليدي إلى ميادين الصناعة والتجارة والسياحة. وبالموازاة، أولت الدولة عناية خاصة بالحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لمغاربة المهجر، عبر تأطير ديني وسطي يحصّن الجالية من كل أشكال الغلو والانغلاق، ويعزز انتماءها إلى المغرب كأرض تسامح واعتدال.

غير أن التحدي الأكبر الذي لا يزال مطروحاً، بحسب عمر المرابط، يكمن في تفعيل مساهمة الكفاءات المغربية بالخارج في بناء الوطن، خصوصاً في مجالات البحث العلمي والتقنيات الحديثة. فإذا كان المغرب قد نجح في استقطاب مواهبه الكروية، فإن ما هو مطلوب اليوم هو استراتيجية أكثر جرأة لجذب عقوله العلمية، وتحفيزها على الإسهام في تحقيق السيادة الرقمية والابتكار الوطني.

لقد أثبتت التجربة أن الجالية المغربية ليست فقط خزانا مالياً أو رمزية وجدانية، بل هي شريك حقيقي في التنمية، وصوت دولي داعم للقضية الوطنية، ورأسمال بشري قادر على بناء الجسور بين المغرب والعالم. ومن هنا، فإن الحفاظ على هذا الرأسمال الوطني، وتعزيزه، ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل خيار استراتيجي لمغرب قوي ومتوازن وذو إشعاع دولي.

إن ما تحقق خلال ربع قرن من العهد الجديد في ملف مغاربة العالم، يؤكد أن الرؤية الملكية اختارت من البداية الطريق الصحيح: طريق الدمج الكامل، لا التهميش، طريق التمكين، لا الإقصاء، طريق جعل الجالية ليست فقط مَحَلاً للاهتمام، بل شريكاً في صناعة القرار والمصير.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق