بقلم: محمد بوبكري
لقد دفعني التأمل في الحرائق التي تم إضرامها في منطقة “القبايل”، وظروفها وعلاقتها بالحراك الشعبي السلمي، إلى استحضار انتفاضة الأحواز في إيران التي انطلقت منذ مدة طويلة، والتي لا تزال مستمرة رغم ما يسلطه النظام الإيراني من عنف وقمع على أهالي الأحواز، حيث تم قتل واعتقال المئات من الرجال والنساء، وعسكرة مدن ومناطق الأحواز. وقد كانت هذه الانتفاضة ردا على ما يمارسه حكام إيران من عنف وإقصاء وعنصرية، ودفاعا عن هوية أبناء الأحواز وكرامتهم الإنسانية.
لكن هذه الانتفاضة لم تولد من عدم، بل إنها تشكل استمرارا لكفاحات أهالي “الأحواز” العديدة التي انطلقت منذ الربع الأخير من القرن الماضي، وجاءت في إطار ظروف دولية خاصة، يمكن أن يؤدي تطورها إلى تحقيق أهداف لصالح الشعوب التي تنتمي إلى أصول غير فارسية في إيران، خصوصا أن الوضع الداخلي الإيراني يتميز بوجود نار تحت الرماد، هي بحاجة إلى هبوب رياح لكي تشتعل النيران من حول حكام إيران ومن تحت أقدامهم، فتأتي على كل شيء.
ونظرا لأن شباب انتفاضة “الأحواز” كانوا يترددون على مقهى “النوارس” بهذه المنطقة، فقد قام النظام الإيراني بتدبير محرقة هناك سقط فيها 11 شهيدا و14 جريحا.
ويتضح للمتتبع للشأن الإيراني أن المجازر والتقتيل الجماعي التي ارتكبها حكام ذلك البلد في حق مختلف شعوب إيران خلال الأربعة عقود الأخيرة قد ابتدأت بمجزرة سينما “ركس”، وفي عبدان سنة 1978، والتي ذهب ضحيتها حوالي 600 قتيل، وبعد ذلك دبر النظام الإيراني مجزرة “أربعاء، ثم المجزرة التي عرفت بمجزرة “1980 السوداء” في ” المحمرة”، ثم تطهير السجون الايرانية في عام 1988، التي راح ضحيتها نحو ثلاثين ألف سجين.
وتجدر الإشارة إلى أن الذاكرة الجماعية لـ “الاحواز” لا تزال تحتفظ بهذه المآسي، التي قام النظام الإيراني فيها بإحراق أعداد كبيرة من الأحوازيين، حيث تبادرت كلها إلى أذهانهم بعد وقوع محرقة “النوارس”.
وقد تميزت هذه الحوادث الأليمة باستعمال أسلوب واحد في تنفيذها، كما تصادفت مع احتجاجات ومظاهرات عارمة تطالب بحق الشعب الأحوازي في الحرية والحياة الكريمة..
ولإيقاف انتفاضة الأحواز، فقد حاول النظام الإيراني أن يخلق الفتن بين الأحوازيين للنيل منهم وتشتيت صفوفهم وإطفاء جذوة انتفاضتهم، كما قام بتوظيف وسائل الإعلام التابعة له لترويج مسرحيات هزيلة كاذبة، هدفها تبرئة ذمته من تلك الجرائم التي خطط لها ونفذها، بأسلوب فج مفضوح.
تؤكد عملية حرق مقهى “النوارس”، وتوقيتها أنها لم تحدث صدفة، بل تم التخطيط لها بشكل مدروس، من أجل إسقاط عدد كبير من الضحايا، بغية تحقيق الأهداف الأساسية الآتية:
– إخماد جذوة انتفاضة الأحواز، التي صارت تتجاوز النظام الإيراني، رغم استعماله لمختلف الوسائل القمعية القاسية؛
– إدخال شعب الأحواز في صراعات قبلية وطائفية بغية تشتيت صفوف الانتفاضة الشعبية الأحوازية؛
– إلهاء المجتمع الأحوازي عن مطالب انتفاضته، وتشتيت انتباهه بغية جعله يركز على المأساة التي حدثت، لا على مطالب الحرية والكرامة الإنسانية…
– رابعها، زرع الرعب في نفوس المتظاهرين، بهدف تخويفهم، وترويعهم نفسيا لإرغامهم على التخلي عن الانتفاضة الشعبية.
ويؤكد شهود عيان أحوازيون أنهم يتوفرون على قرائن تؤكد تورط النظام الإيراني في تلك المآسي، حيث رأوا أنه كان يوجد في مخزن المقهى اثنا عشر برميلا، تبين فيما بعد أنها كانت معبأة ببنزين سريع الاشتعال، كما لا حظوا حركة غير طبيعية في المقهى قبل حدوث المحرقة، ثم أصواتا وإضرام النار وهروب أشخاص غير معروفين من المقهى. وأشار هؤلاء إلى أن الجهة التي قامت بإضرام النار قد أغلقت الباب الخلفي أثناء الحريق حتى لا يتمكن أحد من الخروج. وأضاف هؤلاء أن رجال الإطفاء لم يتمكنوا من فتح باب المقهى!!! بل إنهم اضطروا إلى هدم سقف المقهى ليتمكنوا من إطفاء الحريق.
لقد قادني استعراض ما حدث في “أحواز” إيران إلى الربط بينها وبين ما يجري في الجزائر، حيث إن السيناريو ذاته يتكرر في الجزائر، ما يفيد أن حكام إيران يقدمون لجنرالات الجزائر فتاوى إحراق معارضيهم، لأن حكام إيران اعتقلوا مناضلي انتفاضة “الأحواز” ومارسوا عليهم شتى أنواع العنف، ولما يئسوا من إضعاف انتفاضتهم وإيقافها، لجأوا إلى تفجير الأماكن العمومية، ما نجم عنه سقوط مئات الضحايا، كما استعملوا وسائل الإعلام التابعة لهم لتضليل الرأي العام، وتلفيق التهمة لغيرهم. ونظرا لأن حكام إيران راكموا تجارب عديدة في تخطيط المحارق وتنفيذها، فإنهم نصحوا إخوانهم حكام الجزائر باللجوء إلى إحراق الشعب الجزائري من أجل وضع حد للحراك الشعبي السلمي الذي بات يقظ مضجعهم….
هكذا، فلما ضاق الفضاء بحكام الجزائر، واشتد رعبهم من الحراك الشعبي السلمي، وانكسرت قلوبهم، قدم لهم حكام إيران فتوى إحراق معارضيهم، وجندوا أعضاء ينتمون إلى “حزب الله” لمساعدتهم على إيقاف الحراك الشعبي، فلجأ جنرالات الجزائر إلى التطبيق الحرفي لفتاوى الاعتقال والعنف والتعذيب، التي تضمنتها وصايا أعضاء “حزب الله” الذين لا يغادرون الجزائر… وبعد فشل تلك الفتاوى في وضع حد للحراك الشعبي، لجأ جنرالات الجزائر إلى إضرام الحرائق في منطقة “القبايل” ومناطق جزائرية أخرى بغية الانتقام من الشعب الجزائري ومن أهالي “القبايل”… وسيرا على نهج حكام إيران، فإن هؤلاء الجنرالات سعوا إلى زرع الفتن القبلية والطائفية لتفجير وحدة صفوف هذا الحراك الشعبي السلمي، ووظفوا كل وسائل الإعلام التابعة لهم لتضليل الشعب الجزائري عبر ترويج مسرحيات كاذبة من نسج أوهامهم لكي لا يدرك أنهم وراء إضرام الحرائق في مختلف المناطق الجزائرية.
هكذا، فعندما نستعرض شريط الأحداث في منطق أحواز إيران، نجد أن جنرالات الجزائر قد أعادوا إنتاجها حرفيا للفتك بالشعب الجزائري، حيث استعملوا الأساليب نفسها التي استعملها حكام إيران ضد انتفاضة “الأحواز”. لذلك، فقد بات مؤكدا أن ثقافة حكام إيران حاضرة في أشكال التعذيب والإحراق التي يعتمدها حكام الجزائر ضد معارضيهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن حكام إيران حاضرون في كل شيء في الجزائر، بل يؤكد ملاحظون جزائريون أن حكام إيران قد كلفوا “حزب الله” اللبناني بتأطير حكام الجزائر، وذلك في أفق أن يحولوهم إلى “حزب الله” الثاني، ما يعني أن حكام إيران يعملون من أجل تشييع الشعب الجزائري، واستتباع الجزائر كلية ما قد يفضي إلى انهيار الكيان الجزائري. كما أن أعضاء “حزب الله” المكلفين من طرف ولي الفقيه بمرافقة حكام الجزائر وتأطيرهم، سيطول مقامهم في الجزائر للسهر على تنفيذ تعليماته، كما لا يُستبعَد مستقبلا أن يدفعوا حكام الجزائر إلى القيام باغتيالات فردية وجماعية…
وخلاصة القول، إذا كان أدولف هتلر النازي قد قام بمحارق خلال سنوات الحرب العالمية الست، فإن النظام الإيراني النازي قد قام بالشيء نفسه طيلة أربعة عقود. كما أن محرقة “النوارس” وعشرات المحارق اليت يقوم بها في منطقة “الأحواز” لن تكون الأخيرة إلا إذا عرف حكام إيران المصير نفسه الدي عرفه هتلر. وما دام حكام الجزائر ينظمون المحارق ضد الشعب الجزائري، فإنهم تحولوا إلى عصابة نازية ينبغي أن يقوم المنتظم الدولي بمواجهتها حتى يتمكن الشعب الجزائري من بناء دولته المدنية الديمقراطية الحديثة…