الصٌَحافة _ جمال اسطيفي*
حالة الصدمة التي عاشها الشارع المغربي عقب الإقصاء المخيب للمنتخب الوطني من كأس إفريقيا للأمم التي تجري بمصر، مازالت مرتسمة في الأذهان، وإذا كان من السهل تحليل أسباب الإخفاق بسطحية، والحديث كما يفعل كثيرون عن أن الجامعة وفرت كل الظروف، ثم تعليق شماعة الفشل على هذا الطرف أو ذاك، من قبيل الحديث فقط عن اختيارات المدرب هيرفي رونار أو ضربة الجزاء التي لم يوفق حكيم زياش في تسديدها أو غيرها من أسباب، إلا أن الإقصاء جاء ليعري عن واقع مؤلم ، وهو أن هناك مشكلة تدبير داخل المنتخب الوطني الأول تتحمل فيها الجامعة مسؤولية كبيرة جدا.
أحد أكبر الأخطاء التي تم ترسيخها هو اختزال كرة القدم المغربية في المنتخب الأول ورصد كل الإمكانيات المادية واللوجستيكية له على حساب تطوير المنتوج المحلي وهيكلة الأندية وتنظيمها.
عندما نلقي نظرة على المستحقات المالية التي يحصل عليها مدرب المنتخب الوطني الأول هيرفي رونار ومساعديه باتريس بوميل ومصطفى حجي، سنجد أن الفوارق كبيرة جدا بينهم وبين بقية المنتخبات الإفريقية.
راتب رونار الشهري والذي يصل إلى 120 مليون سنتيم، هو الأغلى بين مدربي القارة الإفريقية، ولو صنفناه مع المدربين الذين خاضوا كأس العالم الأخيرة بروسيا 2018، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يؤدي الضريبة، فإن راتب رونار سيحتل المركز السادس عالميا.
أما المساعدين باتريس بوميل ومصطفى حجي فإنهما يحصلان بدورهما على رواتب لمدربين وليس مساعدين، فالأول يحصل على 55 مليون سنتيم، مما يضعه في المركز الرابع بين مدربي القارة الإفريقية المشاركين في “الكان”، في وقت يحصل فيه الثاني على 30 مليون سنتيم شهريا تضعه في المركز الثامن بين المدربين، وهذا دون احتساب المنح وأمور أخرى عينية كتذاكر السفر والسكن والفنادق وغيرها..
منذ سنوات طويلة وباسم المنتخب الوطني وتهييئه وتوفير أفضل الظروف له، فإن مالا كثيرا يستنزف، في وقت تصرف فيه منتخبات أقل مما نصرفه نحن وتحقق أفضل النتائج، لأن لديها حكامة وحسن تدبير ورؤية..
لقد حان الوقت لتغيير طريقة تدبير المنتخب الوطني، ووقف نزيف هدر المال العام، والتعامل بعقلانية.
نحن البلد الإفريقي الوحيد الذي لا يشرف مدرب منتخبه الأول على المنتخب المحلي، وهذا في حقيقة الأمر بدعة، مع العلم أن فوزي لقجع رئيس الجامعة سبق له أن أعلن عقب إقالة بادو الزاكي عن أنه في إطار ترشيد النفقات سيتولى رونار تدريب المنتخب الأول والمحلي وسيشرف على الأولمبي.
هذا الأمر لم يتم تفعيله، بل إنه تم تعيين جمال السلامي مدربا للمنتخب المحلي، وفي ظل عدم وجود رهانات عملية لمنتخب المحليين، فإن هذا المدرب يتم في كل مرة تكليفه بتدريب أحد منتخبات الفئات العمرية..
وأكثر من ذلك فإن راتب رونار ومستحقاته ومعه طاقمه المساعد تضاعفت، ليتحول ترشيد النفقات إلى تبدير لها..
لقد حان الوقت ليتم تسقيف رواتب مدربي المنتخبات الوطنية، ومعهم الطاقم المساعد، وأن تتضمن العقود الموقعة رواتب معقولة ومنحا مالية مهمة في حالة تحقيق الأهداف المرسومة.
هذا الإنفاق بسخاء ودون ضوابط هو الذي جعل مجموعة من المدربين سواء المحليين أو الأجانب الذين يأتون إلى المغرب يتعاملون مع جامعة الكرة كبقرة حلوب.
*جمال اسطيفي: صحفي جريدة “المساء”.