الصحافة _ كندا
أثار الغياب اللافت لعدد من المؤثرين المغاربة عن تغطية نهائيات كأس أمم إفريقيا التي يحتضنها المغرب موجة واسعة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة أن الأسماء نفسها كانت حاضرة بقوة ولافتة في نسخ سابقة نُظمت خارج أرض الوطن، حيث تصدرت محتوياتهم المشهد الرقمي ببثوث مباشرة وترويج مكثف للبطولات.
هذا الاختفاء المفاجئ فتح باب التساؤلات حول خلفياته الحقيقية، ودفع شريحة واسعة من المتابعين إلى مقارنة واضحة بين الحماس الكبير الذي أبداه بعض المؤثرين في تظاهرات أقيمت بالخارج، وبين الصمت أو الحضور الباهت عندما تعلق الأمر بحدث قاري تنظمه بلادهم، وهي مفارقة غذّت نقاشاً محتدماً حول طبيعة “التأثير” وحدوده.
وتحوّل النقاش الرقمي من مجرد تساؤل عابر إلى مساءلة أعمق لدور المؤثرين، وحقيقة ارتباطهم بالأحداث الكبرى، حيث رأى عدد من النشطاء أن الحضور السابق لهؤلاء لم يكن بريئاً أو عفوياً، بل ارتبط بامتيازات لوجستية ومادية، من إقامة وتنقل وتغذية، مقابل ترويج يبدو شخصياً في الشكل، لكنه في العمق تحكمه ترتيبات غير معلنة.
وفي المقابل، اعتبر كثيرون أن غياب عروض مماثلة خلال نسخة المغرب دفع عدداً من المؤثرين إلى الانسحاب بصمت، ما عزز قناعة لدى فئة واسعة بأن جزءاً من صناعة المحتوى الرياضي محكوم بمنطق الصفقة والعائد، أكثر من ارتباطه بالقناعة أو الإحساس بالانتماء أو الواجب الرمزي تجاه الوطن.
ولم يسلم الجمهور بدوره من سهام النقد، إذ وجّه نشطاء ملاحظات حادة للمتابعين الذين يضفون على بعض المؤثرين قيمة رمزية تتجاوز أدوارهم الفعلية، معتبرين أن الخطأ لا يكمن فقط في غياب صانع المحتوى، بل في التعامل مع محتواه وكأنه موقف وطني أو أخلاقي، في حين أن جزءاً كبيراً منه يخضع لحسابات إشهارية تتغير بتغير المصالح.
وأعاد هذا الجدل إلى الواجهة مسألة الخلط بين التعبير الصادق عن الانتماء الوطني، وصناعة محتوى تحكمه الاعتبارات التجارية، حيث اعتبر متابعون أن ما وقع خلال “كان المغرب” كشف هشاشة التأثير الرقمي عندما يُجرّد من الامتيازات، ويُطلب منه الحضور بدافع القناعة فقط.
في المقابل، برز رأي آخر يدعو إلى قدر من التوازن، معتبراً أن تحميل المؤثرين مسؤولية الترويج لتظاهرة رياضية كبرى فيه مبالغة، وأن هذا الدور يظل من صميم اختصاص المؤسسات الرسمية والجهات المنظمة، لا حسابات فردية تتحرك وفق منطق السوق واختيارات شخصية ومهنية.
وبين هذا وذاك، أعاد غياب المؤثرين عن الحدث القاري المقام بالمغرب طرح سؤال جوهري حول معنى “التأثير” في الفضاء الرقمي، وحدود وطنيته حين يُختبر خارج منطق الامتيازات.














