بقلم: عمر الشرقاوي
كلما وصل صدى كلمة تعديل دستوري الى مسامع اعضاء حزب العدالة والتنمية، الا وانتابتهم فوبيا قوية لما لسلاح التعديل من دلالات سياسية وشعبية قد تنسف الصورة الوهمية “للبيجيدي” التي لطالما سعى الحزب أن يرسمها لنفسه كحزب قوي ومهاب الجانب ولا منافس له.
ويتسع قطر الفوبيا من التعديل الدستوري مع الفشل الذريع لتجربته في الحكومة، على مدار 8 سنوات عجاف لم يف فيها بتعهداته للناخبين بتحسين أوضاع المغاربة الذين يعانون من التهميش واستشراء البطالة وسوء التطبيب والتعليم والسكن.
ويبدو أن الوضعية الهشة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية والانقسامات الحادة داخل قيادته، جعلته يعتبر كل صيحة دستورية ضده وتستهدف وجوده وشعبيته. لذلك يتجه الى حيلة يتقنها بتفوق كبير تقوم على ارتداء جلباب المظلومية السياسية وشيطنة المطالبين بحق من الحقوق الدستورية، والشروع في نسج تحالفات موضوعية لتشكيل قاعدة مناهضة للاصلاحات الدستورية تحت يافطة الدفاع عن الديمقراطية المفترى عليها.
فالحزب الحاكم يدرك أن مقتضيات الدستور في صيغته الحالية ورغم بياضاتها واتساع مناطقها الرمادية، إلا أنها مفيدة لحزب الاسلاميين وتساهم في تحكم الحزب بمؤسسات الدولة وتقرير مصيرها بحوالي مليون صوت. ويفهم البيجيدي ان الفصل 47 من الدستور يشكل فعليا حماية دستورية اتجاه موقعه داخل المشهد السياسي.
لكن لماذا يصاب البيجيدي برهبة التعديل الدستوري؟
المؤكد ان الحزب الحاكم ليس له أي اعتراض على تعديل دستوري اذا كان يخدم مصالحه، وحتى إذا اعترض فانه لا يملك سلطة ايقاف التعديلات مادام انها مرتبطة بسياقات خارج ارادة الحزب، لكن في الحقيقة فان جوهر الاعتراض يقوم على الوظائف السياسية للتعديل الدستوري التي تثير هواجسه وتخوفاته من فقدان الكثير من ملذات السلطة ويمكن اجمال هاته التخوفات التي لا يستطيع الاعلان عنها في الآتي:
أولا، التخوف من فتح خيارات دستورية اخرى تجعل تصدره للانتخابات لا تمنحه سلطة شل الدستور وابطال عمل المؤسسات. ففي حالة فتح الدستور لإمكانية تكليف شخصية من الحزب الثاني بتشكيل الحكومة بعد فشل الحزب الاول خلال مهلة محددة فهذا يعني ان الحزب الحاكم سيكون خارج الحسابات السياسية.
ثانيا، الخوف من العزلة السياسية القاتلة، وهذا مكمن فوبيا البيجيدي من الاصلاحات الدستورية وهو يعلم أن معظم الطبقة السياسية لا تريد العمل إلى جانبه بسبب تسلطه وهيمنته واستعلائه ومحاربته للجميع داخل الاغلبية والمعارضة. فالحزب الحاكم تحول إلى كائن غير مرغوب فيه سياسيا والضرورة الدستورية هي من حتمت على الفاعلين التحالف معه لتجاوز شبح الأزمات السياسية. ومن دون شك فان تعديل مقتضيات الدستوري ستظهر حقيقة الحزب الحاكم وحقيقة علاقته بباقي الفاعلين.
ثالثا، إن الاصلاح الدستوري سيؤدي إلى فقدان الحزب الحاكم لسلاح ابتزاز ومساومة مؤسسات الدولة التي يحسن استعمالها بعناية فائقة. فالنسخة الحالية من الفصل 47 من الدستور التي فصلت على مقاسه جعلته يتوفر على سلاح دستوري ثقيل يجعله يهدد بجر البلد إلى النفق المظلم في حالة عدم التحالف معه أو تحقيق مطالبه السياسية. وبدون شك فإن البيجيدي لن يقبل مهما كلف الامر بالتخلي السهل عن سلاح وفر له تدبير الحكومة لعقد من الزمان دون اثر للسياسات العمومية التي بشر بها.
رابعا، أن التعديل سيضعف حزب العدالة والتنمية وسيقوي من تجانس الحكومة، وهاته الثنائية يرفضها البيجيدي، فالتعديل الدستوري في حالة الموافقة عليه سيساهم في ولادة حكومات سياسية متجانسة تتمتع بنوع من الاستقرار والعقلانية في تدبير بيتها الداخلي، بيد ان هذا الصنف من الحكومة يخيف المصباح الذي يتقوى داخل التوترات السياسية. فهو حزب لا يمكن ان يعيش بدون أزمات وجزء من شرعيته بنيت على حروب مع الاصدقاء والخصوم على حيلة العدو الخارجي وتهديدات ما يسميه “التحكم” وممثليه. ولذلك فان أي توجه دستوري يتوخى انهاء التوتر سيكون على حساب شرعية الحزب الحاكم.
خامسا، التعديل الدستوري سيفرض عليه التعامل مع باقي الاحزاب السياسية على قاعدة الشراكة والندية وليس كعجلات احتياطية توفر له غطاء سياسي للاستمرار في قيادة سيارة الحكومة مهما كلف الثمن. فالبيجيدي يريد ان يحافظ على استعلائه وتدبير التحالفات بمنطق “لا أريكم إلا ما أرى” .