الصحافة _ كندا
لم يكن ظهور نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، في برنامج “نكونو واضحين” على القناة الثانية، مساء أمس، إلا تكريسا جديداً لقاعدة قديمة مفادها أن الوضوح في السياسة المغربية عملة نادرة. الرجل الذي يفترض أنه أحد ركائز الحكومة، خرج إلى الرأي العام متحدثاً لا كوزير يتحمل المسؤولية، بل كزعيم حزب يتهرب منها.
منذ الدقائق الأولى، بدا بركة متردداً، متوجساً، وكأنه في حصة استماع نفسية لا في برنامج سياسي. فبدل أن يُقدّم أجوبة صريحة حول الاحتجاجات الشبابية التي تهز الشارع المغربي منذ أسبوعين، اكتفى بترديد عبارات من نوع “الاحتجاجات إيجابية وتعبر عن الوعي الوطني”.. جملة جميلة لغوياً، فارغة سياسياً.
كيف يمكن لوزير يشغل قطاعاً استراتيجياً كالماء والبنيات التحتية أن يصفّق للاحتجاجات دون أن يعترف بمسؤوليته في الغضب الشعبي؟ وكيف يمكن لأمين عام حزب الاستقلال، الذي كان يوماً ما ضمير الحركة الوطنية، أن يتحدث عن “وضع النقط على الحروف” بعد أربع سنوات من وجوده في الحكومة دون أن يضع حتى فاصلة واحدة؟
البرنامج التلفزيوني لم يكن حواراً بقدر ما كان عرضاً للغة الخشب في أنقى صورها. بركة تفادى الأسئلة المباشرة، تهرّب من الحديث عن مسؤولية الحكومة في الأزمة، واختار أن يتخفّى وراء صفة “الأمين العام” وكأنه ضيف على الحكومة لا أحد مكوناتها.
العبارة التي قالها: “أنا هنا بصفتي أمين عام حزب الاستقلال” كانت كافية لتُعرّي التناقض الصارخ بين موقعه الحزبي وموقعه الوزاري. فمن غير المقبول أن يتحدث عضو في الحكومة بلسان المراقب، أو أن ينتقد الوضع وهو جزء من صناع القرار. ذلك جبن سياسي مفضوح لا يليق بحفيد علال الفاسي الذي علّم الأجيال معنى الموقف والمسؤولية.
وعندما سُئل عن أزمة الماء، تحدث عن “استعداد لتقديم الحصيلة”، دون أن يجرؤ على ذكر الأرقام أو التحديات. أي حصيلة هذه؟ في وزارة يُديرها فعلياً مدير ديوان “ثقيل” لا يعرف سوى لغة الأوامر القديمة؟ كيف يطلب الوزير من المواطنين الصبر على الجفاف بينما وزارته غارقة في البيروقراطية والعجز عن التواصل؟
الأدهى من ذلك أن بركة حاول ركوب موجة “الإنصات للشباب”، مدعياً أنه أطلق منذ يناير الماضي مبادرة حوار مع الجيل الجديد. لكن مصادر من داخل حزب الاستقلال أكدت لـ“ماروك Z” أن الشباب لم يتفاعلوا مع تلك الدعوات، لأن الحزب في نظرهم جزء من النظام السياسي الذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع، ولأن ذاكرة المغاربة لا تنسى أن حكومة الاستقلال سنة 2011 كانت من أسباب اشتعال “الربيع المغربي”.
الرسالة التي بعثها بركة في ظهوره الأخير واضحة: هو لا يريد أن يُحاسب، بل أن يُصفّق لنفسه. يريد أن يربح سياسياً على حساب الحكومة التي ينتمي إليها، وأن يقدّم نفسه كمعارض داخل الأغلبية، في مسرحية مكررة عنوانها “أنا وزير عندما ننجح، وأمين عام عندما نفشل”.
في زمن “جيل Z”، حيث السرعة والوضوح والمحاسبة هي القاعدة، يبدو أن بركة لم يستوعب بعد أن لغة الخشب لم تعد تُقنع أحداً، وأنه فشل في أول اختبار حقيقي للحوار مع شباب لا يريدون شعارات، بل أجوبة وقرارات.