بقلم: يونس دافقير*
فجأة ومن دون مقدمات، وفي عز أزمة الوباء، صار رأس وزير الصحة مطلوبا لأكثر من جهة، و«زعيم مقاتلي الخطوط الأمامية» بوزراتهم البيضاء أصبح في قفص الاتهام، كما لو أنه خائن باع أسرار قلاعنا المحصنة للعدو القاتل.
ومن دون سابق إنذار، تحل الفوضى الإدارية، ويصير الموظف زعيم «عصيان إداري» طالبا لسلطة أكثر من سلطة الوزير، في كل الأنظمة الإدارية والسياسية يستحيل ذلك، الموظف ينضبط لسلطة رئيسه ولتوجيهاته وأوامره، وليس هو المخول لمحاسبته أو إظهار زلاته، ذلك اختصاص الجهات المكلفة بالمحاسبة والمساءلة.
ثم إن المحاسبة لها وقتها الملائم، ما نعيشه الآن يجعل أي ارتباك في وزارة الأمن الصحي ضررا يتهدد المصلحة العامة، في الظروف الطارئة كالحروب والوباء، تصبح إدارة الصحية في نفس منزلة قوات الأمن والجيش، حيث التراتبية الإدارية الصارمة، وحيث الانضباط الذي لا يسمح فيه بأي خروج عن الصفوف أو إرباكها.
لكن شيئا غريبا يحدث في وزارة الصحة، والقصص الخيالية أحيانا، والواقعية أحيانا أخرى، التي تتسرب من كواليس الوزير خالد أيت الطالب ومديره في الأوبئة محمد اليوبي، تشي بأن انقسامات الحكامة في هذا القطاع الحيوي تتهدد الأمن الصحي الوطني. في بعض الأمور والمحطات، لا يسمح بتأسيس التيارات كما في الأحزاب السياسية، ولا يسمح بأن تكون هناك معارضات غير مشروعة، أو أنها غير ملائمة على الأقل.
والغير مشروع أيضا هو أن يطارد صناع شركات الإتصال وزارة الصحة بحثا عن إعلانات وإشهارات، وكأن لسان حالهم يقول كما أن «الكلوروكين» ينقذ مرضى فيروس كورونا من حتفهم، فعلى إشهارات الصحة أن تنقذ شركاتنا من موت محقق. والكثير من حملات التشهير التي تطال المكلفين بالتواصل في الوزارة، تأتي من هذا اللوبي، الذي يريد أن يكون مثل محمد اليوبي، رأس حربة في الحرب على وزير تكشف الأرقام والمعطيات عن أنه ناجح حتى الآن في ما أنيط به من مهام.
وكان على هؤلاء أن يتعلموا من القنوات التلفزية العمومية دروس التضحية والدعم، كل الحملات التواصلية للوزارة يجري تصويرها من طرف القنوات الوطنية، ويتم بثها بالمجان، ففي الصالح العام الوطني ليست هناك تعويضات ولا صفقات ولا طلبات عروض عمومية للإنقاذ الخصوصي، هناك تطوع وتبرع مواطن، وليس حساب العوائد التجارية.
وعلى ذكر «الكلوروكين»، ومنذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية وقف استعماله في الاختبارات السريرية، وجد بعض صناع الأدوية ولوبي شركاتهم ضالتهم في تلك الدراسة لإطلاق سهامهم على رأس الوزارة، دواء المناعة ضد كورونا سوق مربحة، ولذلك هم يقدسون قرار منظمة الصحة مثلما يقدس الأطباء قسم أبو قراط، لكنهم يتناسون أن الخطر حين يكون داهما لا يصير الدواء سلعة بل أمنا قوميا، وسلاحا وطنيا، و«الكلوروكين» المثير للجدل برتوكول مغربي خالص لا علاقة له بما اشتغل عليها معدو الدراسة التي تبنتها منظمة الصحة العالمية.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن وزير الصحة، لكننا نذهب في اتجاه أن هذا القطاع في ظروفه وسياقه يجب أن يكون منزها عن العبث، وعن الصراعات الشخصية الجانبية، والطموحات الذاتية وباقي تفاصيل الحسابات الصغيرة، وحين يخطئ وزير الصحة سيحاسبه البرلمان، وهو مسؤول أمام القبة التشريعية، وأمام رئيسه في الحكومة، وأمام الملك، رئيسه الأعلى في السلطة التنفيذية.
لقد أحب المغاربة محمد اليوبي، وصار جزءا أساسيا من معيشهم اليومي في أوج الوباء، لكنهم أحبوه لإنسانيته وحنكته التواصلية وما يحمله من أخبار مفرحة أحيانا ومفزعة أحيانا أخرى، ولم يحبوه أبدا كزعيم سياسي معارض وسط وزارة الصحة.
لكن الأهم من اليوبي، وهو بشر والبشر خطاؤون، هم بعض صناع الأدوية ومثلهم تجار التواصل الذين يريدون تحويل وزارة الصحة إلى كعكة لإشباع نهمهم. أو سد رمقهم، في زمن الوباء ومخاطر الوباء.
لا يا سادة، الصحة «تاج فوق رؤوس الأصحاء» وليست كعكة للذين في أفواههم شره وفي قلوبهم طمع.
* يونس دافقير: رئيس تحرير جريدة “الأحداث المغربية”