الصحافة _ كندا
كثّف مكتب الصرف خلال الفترة الأخيرة من وتيرة التحقيقات المرتبطة بتمويل رحلات وسفرات سياحية لمغاربة إلى الخارج، ولا سيما إلى بلدان جنوب شرق آسيا، بعد رصد تعاملات مالية مشبوهة تمت عبر منصات حجز دولية تتيح الأداء بالعملات المشفرة، مثل “البيتكوين” و”الإيثريوم” و”التيثر” وغيرها، في مؤشرات اعتبرها خبراء الرقابة ذات صلة بأنشطة غير قانونية.
ووفق معطيات موثوقة، فقد باشرت فرق التفتيش عمليات تتبع دقيقة لمسار هذه المدفوعات، التي حُوّلت من المغرب إلى محافظ رقمية (Wallets) خارج الإطار البنكي التقليدي، قبل أن يتم صرفها في وجهات سياحية أو استثمارية بالخارج. وتشير نفس المصادر إلى أن من بين المستفيدين وسطاء وسماسرة يلعبون دور حلقة الوصل بين الزبائن والمنصات الرقمية، بهدف تجاوز السقف المسموح به قانونًا للمخصصات السياحية.
وقد أطهرت المعطيات الميدانية أن قيم التحويلات بالعملات المشفرة وصلت لمستويات غير مسبوقة، ما مكّن المحققين من تحديد أسماء بارزة داخل المغرب راكمت أرصدة ضخمة من الأصول الرقمية، بينهم رجال أعمال، ومهندسون، ومؤثرون على شبكات التواصل.
كما أبانت التحريات عن توجيه جزء من هذه التحويلات لاقتناء عقارات ومنقولات عبر وكالات متخصصة، بهدف إعادة بيعها أو تأجيرها، في شبهات قوية حول عمليات تبييض أموال وتهريب للعملة.
واعتمدت التحقيقات على منظومات دولية مشتركة لرصد تداولات العملات الرقمية، وهو ما أتاح تتبع تدفقات مالية خرجت من المملكة دون المرور عبر القنوات المصرفية النظامية، مستفيدة من الخصوصية العالية وتقنيات الإخفاء التي تتيحها هذه المنصات. ومع ذلك، تمكنت فرق الرقابة من تحديد المستفيدين النهائيين من جانب مهم من هذه التحويلات.
وبحسب بيانات قسم الدراسات والإحصائيات بمكتب الصرف، فإن بعض المنصات السياحية العالمية التي تنشط في السوق المغربية تعتمد أساليب دفع غير متوافقة مع ضوابط الصرف، ما سمح بتمرير تحويلات مالية مشبوهة للخارج. كما تم تسجيل شكاوى لمستخدمين واجهوا صعوبات في استرداد أموالهم أو استكمال خدماتهم خارج البلاد.
وتأتي هذه التحركات الرقابية في سياق استعداد المغرب لإطلاق الإطار القانوني المنظم للعملات المشفرة، بعدما أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، اكتمال صياغة المشروع بمواكبة فنية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبمشاركة كل المؤسسات الوطنية المعنية. وينتظر أن يشكل هذا القانون، فور دخوله حيز التنفيذ، أداة أساسية لسد الثغرات القانونية التي تسمح بتوظيف العملات الرقمية في أغراض غير مشروعة.
ويضع الوضع القائم السلطات المالية أمام رهان مضاعف يتجلى في مواكبة التطورات التكنولوجية في عالم المدفوعات الرقمية، وفي الوقت ذاته إحكام الرقابة لحماية الاقتصاد الوطني من مخاطر التبييض والتهريب، بما يضمن التوازن بين الانفتاح على الابتكار المالي وصون الأمن الاقتصادي للمملكة.