بقلم: لحسن العسبي
تتبعت مثل غيري من المواطنين المغاربة، ردود الفعل التي خلفها “تويت” صغير (مسموم) للسيدة سفيرة دولة فرنسا المحترمة بالمغرب، تفضلت علينا من خلاله بإخبارنا بما تراه من معلومة (مخدومة باحترافية) تفيد أن السيد شكيب بنموسى بصفته رئيس اللجنة الملكية للتفكير في إنضاج مخطط تنموي جديد بالمغرب، قد “استعرض لسيادتها، ما بلغته لجنته من مراحل في بلورة مشروعنا المغربي للتنمية الجديد”. وهو “الفعل غير الديبلوماسي” الذي كذبته تلك اللجنة المغربية من خلال رئيسها السيد بنموسى بموقع “ميديا 24” (الذي أكد أن التواصل تم بطلب من السيدة السفيرة، وأنه تم تبادل الرأي حول ما بعد جائحة كورونا، ولم يكن ثمة أي صيغة لتقديم خلاصات عمل اللجنة التي يترأسها). وكذا من خلال المسؤول الإعلامي والتواصلي للجنة الزميل والصديق عبد الله الترابي، الذي موضع إطار اتصالات اللجنة مع سفارات عدد من الدول الأجنبية الوازنة، ضمن آلية تواصلية للإنصات لوجهة نظر بلدانها في ما تراه من ملفات تستوجب التركيز عليها في كل مخطط تنموي ببلادنا، من موقع الإفادة من تجارب بلدانها (هنا مهم العودة إلى “تويت” السفارة الأمريكية الديبلوماسي الرصين للمقارنة ولمعرفة حقيقة الأمور).
بالتالي، فإن “خرجة” السيدة السفيرة الفرنسية، تستحث بضع ملاحظات وتساؤلات:
– أولا، من حق الرأي العام الوطني، الذي أحس بالإهانة المقصودة من “خرجة” السيدة السفيرة، أن تطمئنه الجهات المعنية في بلاغ رسمي، وأن يكون مادة تستند عليها وزارة الخارجية المغربية لتستدعي السفيرة وتذكرها بحدود مهامها الديبلوماسية وتسائلها عن مقاصدها من “خرجتها” تلك.
– ثانيا، هذه فرصة لنتعلم أخيرا ببلادنا أن ليس ما تقوله باريس “قرآن منزل” يفرض التصديق، كما لو أن الباطل (والسم) لا يأتيه لا من بين يديه ولا من خلفه.
– ثالثا، مسموح لنا التأويل، تأسيسا على “فرادة” الإخبار الذي تفضلت علينا بها السيدة السفيرة دون كل لقاءات باقي السفارات، أن نشك أن “في الموائد سما” غايته خلق البلبلة التي تحققت عبر وسائط التواصل الاجتماعي، مما يقدم الدليل على أن ما تعرفه ربما باريس من مخططنا التنموي الجديد لا ترتاح له وأنه سيرسم فعليا استقلالية قرارنا الوطني بعيدا عن وهم الوصاية القديمة لها علينا. وأنها تسعى للتشويش “الصغير” عليه، من خلال خلق ردود فعل تجيش الرأي العام ضد “اللجنة” وضد “رئيسها”.
– رابعا، واضح أن العالم تغير، والمغرب تغير (في الدولة وفي المجتمع) ووحدها باريس التي لا تريد أن تتغير في رؤيتها لعلاقتها بنا كبلد ودولة ذات سيادة. أو على الأقل أن جزء من نخبتها لا تزال سجينة منطق وصاية قديم عفى عنه الزمن، يسيئ لمصالح فرنسا أكثر مما يقوي من نفوذها بالعالم.
– خامسا، علينا في مكان ما أن نشكر السيدة السفيرة، لأنها منحتنا (من حيث لم تحتسب ربما) أن نوضح بيننا مغربيا بعض الواضحات مرة أخرى، نحتاجها في تنقيح أصفى لصورتنا أمام أنفسنا، من باب حكمة المثل العربي التي تفيد أن أعرابيا نصح أهله قائلا: “لا تذموا القتادة” وحين قالوا له: “لم؟”، أجابهم: “لأنها لا تنبث في أرضنا” (القتادة شجر بشوك في الصحراء). علينا فعليا أن ننضج قليلا، فلا قتادة بيننا، وأن لا نتسرع في النفير كلما تكلمت “باريس” عنا بلغة حساباتها الخاصة بها وحدها (وهذا حقها في نهاية المطاف ضمن منطق اصطخاب المصالح بين الدول)، وأن نحكم العقل قليلا وأن لا نكون خفافا لدرجة أن نقصف لحظة مغربية غير مسبوقة للأمل في أن “انطلاقة وطنية جديدة” تتراءى واعدة في الأفق، منحتنا جائحة كورونا أن نشحن بطارياتها بتوافق وثقة غير مسبوقة بين الدولة والمجتمع.
Merci Madame