بقلم: يونس دافقير
تضع صحيفة ” لوموند” في تحليلها للشأن السياسي الفرنسي والاوروبي وغيرهما جميع الفرضيات التي تفيد الخطأ والصواب، لكنها وفي حالة ما تعتبره ” مستعمرات فرنسية” سابقة تضع فرضية واحدة وهي انها على حق وصواب، وسلطة وصاية ايضا.
في قضية بيغاسوس على سبيل المثال، تتصرف لوموند كأي أصولي ديني، او يميني متطرف، تعتبر نفسها مالكة للحقيقة المطلقة، وهي نهائية حائزة بلغة القضاء لقوة الشيء المقضي به، والاكثر من ذلك انه على الدولة الفرنسية أن تتبنى هذه الحقيقة.
ويا للمفارقة والكارثة: لوموند التي تعطي “مستعمرات فرنسا” سابقا الدروس في الحقيقة القضائية المقدسة واستقلالية القضاء، هي نفس لوموند التي تعتبر انها صاحبة ” حقيقة صحفية قطعية”، وهي تعفي من كل العمل القضائي الذي يوجد بين يدي القضاء الفرنسي.
هذه مدرسة صحفية جديدة ومخبولة: أحكام الصحفي الفرنسي اهم من حكم القضاء في باريس فلسفة الأنوار!!!!!!
سواء طارت المعزة او انجب الثور ، الحقيقة الوحيدة عند لوموند هي ان المغرب تجسس على هاتف إيمانويل ماكرون.
وليست هذه الحقيقة المغشوشة هي الغرض النهائي عند لوموند، هذا جسر عبور فقط ولو كان منخورا من الداخل ..
الغاية التي تضغط من اجلها لوموند كأي طفل يبكي من اجل ثدي امه هي ان تدين الدولة الفرنسية المغرب، ولما لا ان تفرض حكومة باريس عقوبات على الرباط.
العقلية قديمة وبئيسة: تلميذ يجب ان يتعرض للعقاب!!!!!!!
ولو كانت الوشاية كاذبة.
المهم ان لوموند وحدها، ولا اقول هيئة تحرير لوموند، تعرف الحقيقة.
ولا يهم ان الحكومة الفرنسية قالت ان ليس لديها ما يستدعي الشك في المغرب.
وملك المغرب.
وأجهزة استخبارات المغرب.
ولا يهم ان القيامة كحلة من أجهزة الاستخبارات والامن في فرنسا لم تجد ما يدين هذا المغرب.
ولا يهم ان محكمة باريس ما زالت تبحث في الملف.
وإن على امنستي وشركائها تقديم الدليل.
ويبدو ان لوموند تتوفر على دليل لا يتوفر، ليس فقط عند المخابرات الفرنسية، بل و عند اسرائيل التي أخبرت الفرنسيين بان هاتف ماكرون لم يستهدفه احد.
وسأقول تعسفا ما قاله بعض اخواني المغاربة: لو نجح المغرب فعلا في اختراق هاتف ماكرون لكان ذلك فخرا لنا: مستعمرة قديمة تقتحم أذن مستعمرها القديم.
هذه دعابة سخيفة في عالم يحترم فيه المغرب رموز الدول والشعوب.
وماكرون رمز الشعب والأمة الفرنسيين، ولم بعدا لنا رمزا للمستعمر.
اللهم ان كانت لوموند قد تعرضت للوثة استعمارية.
ولو صحت فرضية لوموند فإن السؤال الصحفي هو : اين كانت أجهزة الأمن الفرنسية حين اخترقت ” دولة مسلمة صغيرة” هاتف رئيس “فرنسا العظيمة”.
حتى في طرح الإشكالية هناك سوء نية.
لوموند تركز على معاقبة المغرب وليس معاقبة تقصير الامن الفرنسي!!!!!
ثم هناك سؤال صحفي اخر لم تهتم به لوموند : لماذا سيتجسس المغرب على هاتف حليف كبير مثل رئيس الجمهورية الفرنسية؟؟ وماهي الخلافات السيادية والتهديدات العسكرية بينه وبين محمد السادس حتى يتجسس عليه؟؟
لا يوجد مشكل بين رئيس الجمهورية الفرنسية وملك المغرب، المشكل موجود بين بعض الفرنسيين والمغرب، وبين لوموند وفرانس 24 … والمغرب.
ومنذ التاريخ القريب، والاقرب منه بعد 2014 نعرف أن بعض اللوبيات الإعلامية، ولو كانت عريقة، كانت دائما عريقة في تأزيم التقارب المغربي الفرنسي.
وإن يكون ذلك لابتزاز مصلحي او بطرف اقليمي.
قبل ايام شارك فؤاد عبد المومني وهو واحد من اليسراويين المغاربة الذي يتحمسون لإدانة المغرب في قضية بيغاسوس مقالا قديما لصحيفة لوموند يتحدث عن دولة الإكراه في بناء مسجد الحسن الثاني سنوات الثمانينات من القرن الماضي، من الواضح ان الود بين المغرب ولوموند مقطوع منذ زمن طويل.
ومن الواضح ان لوموند وذلك البعض الفرنسي في باريس العميقة يتبادل الكثير من المودة والحب مع البعض بيننا هنا، ومنهم المعطي منجب الفرنسي الجنسية وفؤاد عبد المومني الفرنسي الهوى والعالم…
مشكلة لوموند العريقة انها تتخبط في غرورها المهتي التاريخي بينما حاضرها السياسي بئيس مهنيا، لوموند لا تعتبر نفسها اكبر من الأجهزة الأمنية الفرنسية المكلفة بحماية الرئيس فقط، بل تراها اكبر من الدول، ومنها دولة المغرب.
لو كنت مكان لوموند، لطلبت من رئيس الجمهورية أن اشغل منصبي الخارجية والأمن الفرنسي، هكذا سأكون منسجما مع نفسي: ان امارس الحكم وليس الصحافة.