الصحافة _ كندا
تواصل قضية الصحراء المغربية تشكيل واحدة من أعقد القضايا الجيوسياسية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، حيث تتقاطع فيه اعتبارات التاريخ والهوية مع رهانات المصالح الاستراتيجية والقوة الناعمة. فمنذ منتصف السبعينيات، ظل هذا النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر يتجاوز حدود الخلاف حول السيادة، ليتحول إلى معركة رمزية حول الشرعية والتموقع الإقليمي.
ووفق تحليل نشره موقع The Conversation (20 غشت 2025)، للباحث المغربي عز الدين هنون، أستاذ بجامعة ابن طفيل، فإن السياسة المغربية تجاه الصحراء لم تعد تُقرأ من منظور الواقعية الكلاسيكية القائمة على ميزان القوة والأمن فقط، بل من خلال ما يسميه بـ”النيورِيالية الرمزية”، حيث يمتزج البعد الاستراتيجي بالبعد الحضاري والتاريخي، في إطار دبلوماسية تهدف إلى إعادة تعريف موقع المغرب قارياً ودولياً.
فبعد سنوات من اتباع سياسة “الكرسي الفارغ” في منظمة الوحدة الإفريقية رفضاً للاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية”، اختار المغرب منذ بداية الألفية الثالثة نهج الانفتاح والمبادرة، حتى مع دول كانت من أبرز داعمي البوليساريو كنيجيريا وإثيوبيا. ولم يكن ذلك تنازلاً عن أولوية الصحراء، بقدر ما كان إعادة صياغة لها تربط بين الدفاع عن السيادة وتحقيق التنمية، وبين الهوية الوطنية والطموحات القارية.
هذا التحول مكّن المغرب من تحويل قضية الصحراء من نزاع حدودي ضيق إلى قضية هوية وشرعية تاريخية، مستندة إلى روابط “البيعة” وإلى الامتداد الحضاري للمشروع الوطني. وهو ما وفر للرباط أدوات جديدة لتعزيز خطابها الدبلوماسي وكسب التعاطف الدولي.
ولم يقتصر الأمر على المقاربة الدبلوماسية، إذ أطلق المغرب مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها “مبادرة الأطلسي” التي تمنح دول الساحل منفذاً بحرياً عبر موانئ الأقاليم الجنوبية، خاصة ميناء الداخلة الأطلسي. وبذلك، أصبحت الصحراء محوراً لمشاريع جيو-اقتصادية كبرى، تتجاوز الطابع الأمني إلى بعد تنموي إقليمي.
وقد أثمرت هذه الاستراتيجية اعترافات متزايدة بمخطط الحكم الذاتي، تُرجمت في فتح نحو ثلاثين قنصلية بالعيون والداخلة، إضافة إلى دعم صريح من قوى دولية كفرنسا والولايات المتحدة. وهو ما اعتُبر انتصاراً دبلوماسياً بارزاً يعزز مكانة المغرب على الساحة الدولية.
ويخلص تحليل The Conversation إلى أن المغرب بصدد صياغة نسخته الخاصة من الواقعية السياسية، قائمة على المزج بين القوة الصلبة (الأمن والدفاع) والقوة الناعمة (الثقافة والهوية)، بما يمنحه قدرة على الانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق المبادرة، وترسيخ موقعه كفاعل قيادي في إفريقيا وجسر استراتيجي بين أوروبا والقارة السمراء، في عالم يبحث عن توازنات جديدة أكثر عدلاً وشمولاً.