بقلم: أمين لقمان
سحب جواز سفر مصطفى الباكوري، ومنعه من مغادرة التراب الوطني إلى غيرها من الاجراءات، يمكن مقاربته من ثلاث زوايا في نظري، سياسية وقانونية وأمنية.
من الناحية السياسية، تزامنت هذه الإجراءات مع التعديلات التي قام بها الملك مؤخرا على مستوى تغيير كبار المسؤولين في جهاز السلطة القضائية، والمجلس الأعلى للحسابات، ومجلس المنافسة. وطبعا هي مبادرات لها ما بعدها حسب التوجيهات والنفس الجديد الذي سيؤطر تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والذي بقوة القانون، يجب أن تحال في حالة وجود اختلالات إلى النيابة العامة.
وكما هو معلوم فقد تعالت أصوات تطالب بالكشف عن مصير هاته التقارير ومآلاتها، خاصة إذا كانت الجهة المعنية بها مقربة من دوائر القرار وأصحاب «النفوذ» السياسي والاقتصادي. فقد تكون أولى الرسائل متعلقة بإخراج زينب العدوي لمحتويات ثلاجة إدريس جطو لتأخذ مسارها القانوني تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الرسالة الثانية الثاوية بين ثنايا هذه الإجراءات هي أنه لا شخصية مهما كان مركزها الاجتماعي أو السياسي، ومهما كان قربها من دوائر القرار يمكنها أن تفلت من المحاسبة أو العقاب.
قد تكون الإجراءات المتخذة في حق مصطفى الباكوري مقدمة لموجة من المتابعات التي توقفت أو أريد لها أن تتوقف، وكانت سببا في إلحاق أضرار جسيمة بالإدارة والاقتصاد المغربي وسمعة الدولة في الداخل والخارج وسلم ترتيبها في مؤشرات الحكامة والشفافية والتنمية البشرية.
وقد آن الأوان لتصحيح هاته الاختلالات بدءا من «الرؤوس الكبيرة» كما يقال. وأعتقد أن هذه القضية واحدة من قضايا الفساد العديدة والمتراكمة ببلادنا، والتي تحتاج الحزم والشفافية في التصدي لها بشكل مؤسسي تغيب عنه الموسمية وطابع الحملة العابرة تجسيدا لمبادئ الدستور وحماية لنظم الاقتصاد والإدارة والمجتمع من كل التجاوزات. فقد يكون لتقارير المجلس الأعلى للحسابات دور أساسي في اتخاذ كذا إجراء بناء على تعليمات النيابة العامة. وهنا ننتقل إلى الزاوية الثانية.
من الناحية القانونية، إجراءات سحب جواز السفر والمنع من مغادرة التراب الوطني هي تدابير احترازية من اختصاص قاضي التحقيق بناء على ما أحيل إليه من النيابة العامة التي من اختصاصها النظر في ما أحيل إليها من اختلالات رصدها المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية أو شكايات أو غيرها. ولذلك فلا يمكن اتخاذ هذه الإجراءات خارج الضوابط القانونية بحسب طبيعة المسطرة القضائية المتبعة بشرط التعليل، وذلك تؤطره نصوص قانون المسطرة الجنائية خاصة الفصل 142 الذي يسمح لقاضي التحقيق في القضايا الجنحية أو الجنائية أن يصدر حسب الأحوال أوامر بالحضور أو الإحضار أو أمرا بإلقاء القبض أو الإيداع بالسجن، كما يمكنه لدواعي البحث أن يأمر بسحب جواز السفر وإغلاق الحدود في وجه المتهم لضمان عدم فراره وإخضاعه للمراقبة القضائية. وهو ما جرى مع مصطفى الباكوري وهي إجراءات من اختصاص قاضي التحقيق بناء على مساطر ينظمها القانون..
وفي ما يخص الغموض الذي يلف هذه الإجراءات قد تكون اقتضته ظروف سرية البحث، وقد تكون حماية للمتهم أو تقديرا لمركزه السياسي، مثلما أنه للمشتبه فيه كافة الضمانات والحقوق لاستئناف ونقض الاجراءات الصادرة في حقه ضمانا للمحاكمة العادلة، التي يؤطرها مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته. هذا من الناحية القانونية.
أما المنظور الثالث الذي يؤطر هذه القضية فهو الجانب الأمني المتعلق بالمس بأمن وسلامة الدولة والتخابر لفائدة أطراف خارجية، وقد تداول الإعلام كون مصطفى الباكوري متورط في التخابر مع ألمانيا ومدها بقاعدة المعطيات التي تؤطر توجه المغرب الاستراتيجي نحو الطاقات المتجددة، وهو واحد من المشرفين على هذا المشروع الملكي القاري الذي تحدثت مصادر إعلامية عن تهاون وخروقات طالت هذا المشروع الوطني الطاقي، مع الأخذ بعين الاعتبار التوتر الديبلوماسي الحاصل مع ألمانيا ورفعها لعلم البوليساريو على مؤسسة رسمية. وهذا أيضا طبعا يؤطر القانون إجراءات البحث فيه، والذي لن يكون بدون ما تقتضيه أيضا مساطر وإجراءات البحث والتحقيق التي يمكن أن تصدرها النيابة العامة ومؤسسة قاضي التحقيق، ومن ضمنها التقاط المكالمات والترصد، خاصة أن الأمر يتعلق بالتخابر مع دولة أجنبية. وهنا ينبغي الإشارة إلى كون مصطفى الباكوري ليس سياسيا بالمعنى الكلاسيكي، هو تكنقراط مقرب من الدوائر العليا، ولا دخان بدون نار كما يقال.
يبقى أن أشير إلى أن هاته الملاحظات تبقى مجرد تكهنات أمام غياب علمنا بالتهم الموجهة لمصطفى الباكوري، والتي من حقه أن يعرفها ويطلع عليها ومن حق محاميه أن ينور الرأي العام بخصوصها مادام الأمر يتعلق بشخصية عمومية.. والأهم من كل ذلك هو أن تكون هاته الإجراءات رغم تأخرها تجسيدا لانتقال المغرب نحو القطع مع الإفلات من العقاب، وترجمة ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتوجه ببلادنا نحو الديمقراطية وسيادة القانون وحماية المجتمع والاقتصاد الوطني، خاصة أن المغرب مقبل على تحديات صعبة.