بقلم: فوزية لهلال
يحكي الأمير هشام العلوي في سيرته أنَّهُ في عهد الحسن الثاني، كان هناك مواطن من الدار البيضاء اسمه عميمي، يحلم بالحصول على كريما(مأذونية )طاكسي كبير، فداَبَ على اعتراض موكب الملك في كُلِّ زيارةٍ له للدار البيضاء، وتسليمه رسالة يلتمِسُ فيها الحصول على الكريما، تكرَّرتِ المحاولات حتَّى اصبح الملك يتعرَّف عليه، وانزعج من اِلحاحِه، عميمي بدوره كان عنيدا..واستمر في اختراق الموكب الملكي وتسليم الرسائل ،استمر الحسن الثاني بدوره في تسلُّمِها وإحالتها إلى الحاشية، وذات يوم كان الملك يرعى مباراة في كرة القدم، يومها نجح عميمي وقد ارتدى قميص أحد الفريقين، في التوجُّه إلى المِنَصَّة الرَّسمية وتسليم رسالة جديدة للملك..استدعى الحسن الثاني على إثر ذلك طاقم أمنه، وانذرهم أنَّهُ في حال نجح هذا الرَّجل في الوصول إليه مرَّةً ثانية، فإنَّهُ سيُعاقِبُهم جميعا.
مرَّتْ مُدَّة….
وذات يوم، ذهب الملك للسباحة برفقة ولي العهد والأمير هشام راوي هاته القصة، وبينما الجميع في الماء بلباس السِّباحة، برز من بين الامواج عميمي، وأخرج كيسا من البلاستيك داخله رسالة مختومة، اقترب من الملك، قبَّلَ يده،وسلَّمه الكيس وانصرف.
اشتد غضب الملك، فاستدعى طاقم أمنه من جديد، ،وقال لهم أنَّهُ في المرَّة القادمة سيُخَفِّضُ رُتب العسكريين، ويُحيل الأمنيين إلى التَّقاعد، وحذَّرهم في الآن نفسه من أن يصيب عميمي أيَّ مكروه.
استدعت أجهزة الأمن عميمي، وابلغته الآتي: من اليوم فصاعدا، كُلَّما عَلِمْتَ أنَّ الملك قادم إلى الدار البيضاء، عليك التَّقدُّم بنفسك إلى السِّجن المركزي، وهاهي زنزانتك جاهزة!
امتثل عميمي للأمر، وأصبح كُلَّما زار الحسن الثاني الدار البيضاء، يذهب إلى السجن، ويمكث فيه حتى يغادر الملك، وحين عاد ميزان القِوى إلى الرُّجحان لصالح الملك، حصل عميمي على مأذونية سيارة الأجرة التي الحَّ في طلبها.
الشَّاهد في هاته القصة، أنَّ لعبة المخزن تخضع لموازين القوى، وأنه يعطي تحت الإلحاح..شرط أن يكون هو المتحكم في اللعبة..
وأما اليوم، فكل مُلِحٍّ في الطلب، مصيره السِّجن!
لقد بقي شباب الريف طيلة سبعة أشهر، ينظِّمون وقفات ومسيرات سلمية من أجل مطالب اجتماعية اقتصادية، وملف مطلبي واضح للنهوض بمنطقة الريف، انتهى الأمر بسجن خيرتهم، وتقزَّمتِ المطالب اليوم إلى تجميع المعتقلين اليوم في سجن الناظور، وانسنة معاملتهم..
وقد تحدَّثَ والد ناصر البارحة في اوديو عن لعبة المخزن اللاأخلاقية في التَّعامل مع المعتقلين السياسيين، وتجريدهم من أبسط الحقوق، لعل أبسطها عدم إدخال الجرائد وسحب الأوراق التي يُدَوِّنُ فيها ناصر..في الوقت الذي تحدَّث فيه النقيب زيان وزير حقوق الإنسان السابق، أنه أدخل آلة كاتبة بنفسه إلى أبراهام السرفاتي، حين كان معتقلا في سجون الحسن الثاني.
الإلحاح في الطلب بكل الطرق السلمية الممكنة، سيجسده أطول اعتصام عرفه المغرب الحديث، يتعلق الأمر باعتصام ساكنة قرية ايمضر التي تضم أكبر منجم للفضة في أفريقيا ،الاعتصام بدأ في 20 غشت 2011،واستمر ثماني سنوات احتجاجا على استنزاف الثروة المائية من طرف شركة معادن ايمضر التابعة للهولدينغ الملكي، وكذا حرمان الساكنة المحلية من الاستفادة من ثروات أرضهم…الاعتصام رفع مؤخرا بعد عمليات اعتقال للنشطاء، مع استمرار الملف المطلبي..
المخزن اليوم لا يعطي تحت الإلحاح، ولا بدون إلحاح..كيعطي مللي كتْرْشَقْ ليه!
وأما رجل مثل عميمي، فلن يكون مصيره أحسن من مصير الشاب الذي حكم عليه هاته السنة بسنتين سجنا نافذة لاختراقه الموكب الملكي!
فهنيئا لعميمي الكريما ديال الطاكسي..داَزْ ايامَ كان المخزن يمنح تحت الإلحاح!