الصحافة _ كندا
يتصاعد الجدل داخل الأوساط الفلاحية والسياسية بالمغرب حول طريقة تدبير الدعم العمومي المخصص للفلاحين والكسّابة، بعدما توالت الأسئلة البرلمانية والتحذيرات من “اختلالات خطيرة” تمسّ مسار الدعم، وتثير شكوكاً حول شفافية الإجراءات وآليات الإحصاء والترقيم وصرف الإعانات.
وتزامن هذا الضغط البرلماني مع بروز معطيات ميدانية تشير إلى وجود مضاربات واسعة في سوق الأعلاف، واستغلال سياسي محتمل للدعم في بعض المناطق، ما أعاد فتح ملف الحكامة داخل القطاع الفلاحي على مصراعيه.
في هذا السياق، وجّه النائب البرلماني رشيد حموني سؤالاً كتابياً إلى وزير الفلاحة أحمد البواري، نبه فيه إلى مشاكل تقنية وتنظيمية رافقت عملية الإحصاء الوطني للقطيع، مؤكداً أن مربين في إقليم بولمان حرموا من ترقيم رؤوس ماشيتهم بدعوى نفاد الحلقات، بينما استفاد آخرون من أعداد تفوق ما تم إحصاؤه.
ووفق حموني، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى استفادة غير مستحقة من الدعم، ما يضرب مبدأ العدالة بين المربين، ويهدد بنسف التوجيهات الملكية المتعلقة بإعادة تكوين القطيع.
من جانبه، فتح البرلماني عبد الله بووانو ملفاً آخر لا يقل حساسية، حين تحدث عن توزيع انتقائي للدعم في بعض المناطق، يختلط فيه الاستحقاق الفلاحي بالولاءات السياسية، واعتبر أن “لوبيات محلية” حولت الدعم إلى أداة تأثير انتخابي بدل أن يكون رافعة اجتماعية.
وطالب بووانو الحكومة بإعادة ترتيب المساطر واعتماد آليات مراقبة تضمن وصول الدعم إلى الفلاحين الأكثر حاجة بعيداً عن أي توظيف سياسي.
ورغم دفاع وزارة الفلاحة عن الإنجازات الرقمية، وإعلانها صرف 4 مليارات درهم لفائدة 912 ألف كسّاب خلال 3 أسابيع، إلا أن حجم المبالغ وسرعة صرفها فتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول قدرة الرقمنة وحدها على محاصرة التلاعبات، خصوصاً في المناطق التي ينشط فيها الوسطاء وتتقلص فيها المراقبة.
وتعززت موجة الانتقادات بعد دخول البرلماني أحمد العبادي على الخط، والذي دق ناقوس الخطر بشأن ظاهرة وصفها بـ“فراقشية الأعلاف”، مشيراً إلى أن هؤلاء التجار يستغلون أي إعلان حكومي عن دعم جديد لرفع الأسعار بشكل غير قانوني، مما يحول الدعم إلى مكسب مباشر للمضاربين بدل أن ينعكس على الفلاحين الصغار الذين يواجهون موسماً صعباً وتكاليف إنتاج متصاعدة.
العبادي اعتبر أن هذه الممارسات تهدد فعلياً أهداف البرنامج الملكي لإعادة تكوين القطيع، وتفرغ السياسة الفلاحية من مضمونها، داعياً الحكومة إلى تعزيز المراقبة داخل الأسواق الأسبوعية ونقاط بيع الأعلاف، وتفعيل آليات الزجر ضد المحتكرين.
وتشير المعطيات المتداولة داخل البرلمان والحقول إلى أن أزمة الثقة بين الفلاحين والمنظومة أصبحت أعمق من أي وقت مضى، وأن معالجة الاختلالات تتطلب أكثر من رقمنة المساطر، بل إرادة سياسية قوية لضبط السوق، وحماية البرامج العمومية من التلاعبات، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.
وبينما تستمر الوزارة في الترويج لنجاعة مقاربتها الرقمية، يبقى الرهان الأكبر اليوم هو استعادة ثقة الفلاحين وتحصين الدعم من كل أشكال الاستغلال، في لحظة حساسة يواجه فيها القطاع تحديات مناخية واقتصادية غير مسبوقة.














