الصحافة _ كندا
يعيش سوق الشغل المغربي مفارقة عميقة بين مظهر الازدهار وفراغ البنية. فبينما تروج الحكومة لأرقام إيجابية حول ارتفاع فرص العمل في قطاعات كصناعة السيارات والبناء والسياحة، يكشف تقرير المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة أن هذه الديناميكية لا تعدو أن تكون ظرفية، مرتبطة أساساً بتحضيرات كأس العالم 2030، وأن خلف هذا الوهج lurks فقاعة قد تنفجر بعد انتهاء الحدث، لتترك آلاف العمال دون بدائل حقيقية.
التقرير يحذر من أن النموذج الحالي يجعل المغرب رهينة لتقلبات السوق الأوروبية التي تمثل الشريك الاقتصادي الأول، في وقت يفتقر فيه الاقتصاد إلى تنويع حقيقي يضمن الاستقلالية ويؤمن استدامة النمو. جزء كبير من الوظائف التي يتم خلقها في البناء والأشغال العمومية والسياحة هو بطبيعته مؤقت، إذ يرتبط بأوراش المونديال وبالاستعدادات اللوجستيكية، ومع إغلاق هذه الأوراش ستجد فئات واسعة من العمال أنفسهم في مواجهة بطالة هيكلية.
الأرقام التي قدمها التقرير توضح حجم التحدي: ربع مليون وظيفة ستُستحدث في قطاع البناء والأشغال العمومية، وحوالي مائة ألف وظيفة في السياحة والضيافة، لكنها كلها محكومة بأفق زمني ضيق لا يتجاوز محطة 2030. وإذا لم يتم التفكير منذ الآن في ما بعد هذه المحطة، فإن البلاد قد تواجه اضطرابات اجتماعية عميقة ناجمة عن فائض اليد العاملة وتراجع الطلب.
الأزمة لا تقف عند هذا الحد. فالتقرير يشير إلى أن التحديات العالمية مثل التغير المناخي والتحول الرقمي بفعل الذكاء الاصطناعي تهدد بتحويل جزء من اليد العاملة غير المؤهلة إلى هامشية دائمة، في ظل ضعف برامج إعادة التأهيل والتحويل المهني. هذا الوضع يفاقمه استمرار الفوارق المجالية، حيث تظل مناطق واسعة من المغرب خارج دينامية الاستثمار والتشغيل، مما يزيد من هشاشة البنية الاجتماعية.
الخلاصة التي يطرحها التقرير هي أن المغرب يسير نحو مفترق طرق خطير: إما أن يُستثمر الحدث الكروي العالمي كرافعة حقيقية لوضع أسس تنويع اقتصادي مستدام، أو يُترك الأمر لمنطق العفوية الذي سيجعل من المونديال مجرد محطة مؤقتة، يتبعها فراغ اقتصادي واجتماعي يهدد الاستقرار. لذلك فإن دق ناقوس الخطر اليوم ليس مبالغة، بل تنبيه عاجل بأن اللحظة تتطلب قرارات جريئة لإعادة صياغة النموذج التنموي، بعيداً عن منطق المناسبات والرهان على الصدف الدولية.