بقلم: محمد بوبكري
يعتقد الحكام المستبدون المغرورون أنهم باقون في سلطتهم مهما كانت الظروف والأحوال، وأن من حقهم أن يفعلوا ما يشاؤون في شعوب بلدانهم، لأنهم يعتقدون أنهم فوق أي محاسبة داخلية أو خارجية، ولا يخطر على بالهم أن شعوبهم قد تنتفض ضدهم وتطالب برحيلهم. وكلما حدث ذلك يردون بالعنف ضد شعوبهم المستضعفة، دون أن يتخيلوا أن قوى عظمى وأممية قد تتدخل لإنقاذ هذه الشعوب من التقتيل.. وهذه هي عقلية حكام الجزائر اليوم الذين يعتقدون أنه يمكنهم أن يفعلوا ما يشاؤون في البلاد والعباد والخيرات بدون حسيب ولا رقيب، لأنهم لا يؤمنون بالشرعية السياسية. وهذه عقلية متجاوزة أكل عليها الدهر وشرب، وتنتمي إلى عهود بائدة. ويكون تدخل القوى العظمى إعلاميا وسياسيا، وحتى عسكريا. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نتذكر ما حدث في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الماضية. وإذا كان جنرالات الجزائر يعتقدون أن دولتهم لا يمكن أن يتدخل فيها أي أجنبي، فإن هذا الاعتقاد عفا عنه الزمن. فبفضل الثورة المعلوماتية تحول العالم اليوم إلى قرية صغيرة، حيث صار في إمكان كل واحد أن يتابع مجريات الأحداث في العالم، ما جعل المواطنين قادرين على الإفلات من مراقبة أنظمتهم الاستبدادية وهيمنتها الفكرية.
لقد أصبحنا اليوم نلاحظ أن الدول تتدخل في بعضها البعض من أجل المصالح والمصالح المضادة، كما أن العالم صار يعيش أزمات اقتصادية بسبب جائحة “كورونا”. وبسبب ذلك، ستزداد التدخلات في البلدان التي تحكمها أنظمة مستبدة، ولديها ثروة. لذلك، صار ضروريا توفير كل الظروف التي تحول دون هذه التدخلات الأجنبية، حيث هناك أبواب يمكن أن تتدخل منها هذه القوى.
أول هذه الأبواب حقوق الإنسان. فالجزائر تعيش أزمة سياسية، لأن النظام العسكري فاقد لأية شرعية سياسية، وتسبب في أزمة حقوقية واقتصادية واجتماعية مكعبة، ما أدى إلى حراك شعبي سلمي حضاري، هو في عمقه “ثورة بيضاء” تطالب بالتغيير. وقد واجهه حكام الجزائر بالعنف، ما جعل المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بـ “جنيف” تتدخل لتحذرهم من مغبة الاستمرار في ممارسة العنف ضد حركة سلمية تروم البناء الديمقراطي. وقد قامت هذه المفوضية بتوجيه بعض التوصيات لحكام الجزائر، لكنهم لا ينصتون، حيث إنهم مستمرون في حبك المؤامرات ضد معارضيهم؛ فهم ينوعون أساليب قمع الحريات للتحايل حتى على الأمم المتحدة والرأي العام الدولي، حيث لجأوا مؤخرا إلى تلفيق تهم الإرهاب لمناضلين أحرار يساندون الحراك الشعبي إعلاميا من الخارج، وسعوا إلى ترحيلهم من البلدان المقيمين فيها إلى الجزائر لكي يتمكنوا من إعدامهم…
وقد أصدر حكام الجزائر مذكرة لتوقيف هؤلاء تلبية لرغبة “الجنرال نزار”، ما جعل العالم كله يسخر من هذا السلوك البغيض، ويدرك أن الهدف من تلك المذكرة هو ترهيب الجزائريين حتى لا ينخرطوا في الحراك الشعبي، ما أكد أن الأمر يتعلق بمؤامرة ضد الحراك الشعبي، حيث نتج عنها تشويه صورة الجزائر. فالإرهاب ليس جماعة. وعندما يكثر الجنرالات من توزيع تهم الإرهاب على المواطنين الجزائريين المعارضين لنظامهم، فإنهم يحولون الجزائر إلى دولة تفرخ الإرهاب، ما سيؤثر على صورتها واقتصادها وأمنها.
كما أن الفساد يدمر عملة البلاد، بل إنه خرب الاقتصاد الجزائري، ما تسبب في ندرة الاستثمارات الخارجية في البلاد. والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر، جعلت هذا البلد فاقدا للاستقرار، ما أدى بالمستثمرين الأجانب إلى الخوف من المغامرة باستثمار رساميلهم فيه، لأنه سبق أن تحايل بعض الفاسدين الجزائريين الذين يتمتعون بحماية السلطة على أجانب، ما تسبب لهم في الإفلاس…
لقد صارت الجزائر معزولة دوليا، حيث يحول تخلف الجنرالات وغباؤهم دون توفرها على لوبيات في الدول العظمى، كما أنهم لا يعيرون أي اهتمام للأسماء الكبيرة الجزائرية المؤثرة المقيمة في الخارج، بل إنهم يعملونها أو يمنعونها من دخول البلاد… فهدف هؤلاء الجنرالات هو البقاء في السلطة، ولو على حساب مستقبل الجزائر والجزائريين. ويعود انهيار الجزائر إلى جهل جنرالاتها وعنفهم وفسادهم، حيث إن لهذا البلد الشقيق عائدات بترول وغاز هائلة جدا، لكن، نتيجة فسادهم، يلاحظ العالم بأسره أن الجزائر كانت وما تزال مفتقرة إلى مشروع تنموي، ولا تمتلك مشروعا إعلاميا، ودبلوماسيا… فهي قائمة على ريع النفط، ولها مشاكل عميقة مع القوى المتحكمة في أسعار سوق النفط والغاز، حيث كلما انخفض سعره، دفع الشعب الجزائري ثمن ذلك، وكلما ارتفع سعر المحروقات، تبخرت عائدات الجزائر منها، لأن الجنرالات ينهبون خيراتها ويهربونها إلى مختلف الملاذات الضريبية.
وقد أدت الأطماع التوسعية لجنرالات الجزائر بهم إلى انهزامهم دوليا وجهويا، حيث ليس لهم اليوم أي دور في الحوار من أجل إحلال الهدنة والسلم بين مختلف الفرقاء في ليبيا الشقيقة، كما أن تأثيرهم قد صار منعدما في دول الساحل، ما أزعجهم كثيرا، حيث كان رد فعلهم هو دعم الإرهاب في هذه البلدان، التي صارت ترفضهم. أضف إلى ذلك أنهم يمارسون تجارة السلاح وتهريب المخدرات في هذه المنطقة، ما يفسر العثور على سبعمائة كيلوغرام من الكوكايين في الجزائر، فتأكد للقوى العظمى أنهم يتاجرون في هذه المادة التي يستوردونها من أمريكا اللاتينية عبر دول الساحل البريئة من ذلك والرافضة له. لا يمكن لجماعة صغيرة أن تستورد هذا الكم من الكوكايين، بل إن ذلك يتطلب وسائل عديدة وشبكة وجيش من البشر، ما يفيد أن الجنرالات متورطون في هذه الجريمة.
وللأسف، فإن هذه العوامل وغيرها قد جعلت جزائر اليوم على حافة الانهيار بسبب جهل الجنرالات وفقرهم الفكري وعنفهم وجبروتهم. فالسمعة الحقوقية للجزائر سيئة جدا، واقتصادها منهار، ما يعني الإفلاس التام، لأنه لم يعد في إمكان الحكام حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري، ما جعلهم يلجؤون إلى القمع الذي سيعمق مشكل حقوق الإنسان في هذا البلد، حيث قد تتأزم الأوضاع بين الشارع الجزائري والسلطة، نتيجة اشتغالها بعقلية السفاح “الجنرال خالد نزار” الذي لا يتقن إلا لغة التعذيب والقتل.. وإذا قامت بذلك، فإن القوى العظمى قد تتدخل ضد حكام الجزائر لوضع حد لتماديهم في انتهاك حقوق الإنسان، ودعمهم للإرهاب، ومتاجرتهم في البشر والكوكايين…