الصحافة _ بقلم عبدالرحمان عدراوي من كندا
الأمير مولاي الحسن، أمير اليوم، ملك الغد، بعد عمر طويل للملك محمد السادس.
جرت العادة أن يلتحق ولي العهد المغربي، والأمراء من العائلة الملكية بإنجلترا للاستفادة من تكوين في أصول العيش داخل القصور، حيث يتعلمون هناك طرق وأساليب العيش الراقي، خصوصا ما تعلق بالتواصل مع العالم الخارجي (خارج القصر)، فكل حركة، أو كلمة أو طريقة في اللباس، يتم تعلمها، طريقة الجلوس، طريقة المشي، طريقة الإقبال على الآخرين، طريقة تحية الأفراد والحشود…
وسبق لوسائل إعلام أن نشرت مقالات تفيد أن الأميرة لالة سلمى مرت من نفس المدرسة بعد زواجها من الملك محمد السادس.
من جهة أخرى، سافر الملك محمد السادس كثيرا وتنقل عبر ربوع القارات الخمس عندما كان أميرا، والتقى بزعماء العالم في سن مبكرة، ارتاد جامعات فرنسية وأمريكية، واختلط مع المواطنين في مقاهي ومطاعم كبريات مدن العالم، وهو ما أكسبه تجربة حياة لم يكن ممكنا اكتسابها فقط من خلال بقاءه طوال فترة الشباب في مدينة واحدة بالمغرب.
الأمير مولاي الحسن عاش طفولة أكاديمية ناجحة، ويبدو ذلك من خلال مشاركاته في احتفالات نهاية السنة التي كان يلقي فيها كلمات، ويقدم عروضا مسرحية بلغات مختلفة، ويتلو القرآن… وذلك بحظور والده الملك محمد السادس، والأميرة لالة سلمى، طريقة تلاوته للقرآن الكريم تتميز بإتقان لقواعد التجويد، ولحن جيد، التنوع في طريقة التكوين، وتعلم اللغات… إضافة إلى الحضور الفعلي للوالدين، لاشك كلها عوامل جعلت ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يتخطى فترة الطفولة بنجاح كامل مكتمل.
سنة 2020 علمنا أن الأمير مولاي الحسن سيلتحق بجامعة بنجرير لاستكمال دراسته الجامعية، وكانت تلك مناسبة للعديد من المغاربة وأنا واحد منهم، معرفة أن بنجرير تتوفر على جامعة، لكن لم نفهم حينها معنى أن يتابع ملك الغد دراسته في بنجرير ؟ فهل التكوين الذي يجب أن يخضع له ملك الغد يتوقف على جدران جامعة تحتضنه، وأساتذة يلقنونه ؟
الجامعة فقط عنصر واحد من مجموعة عناصر يجب أن تتوفر في محيط تكوين الأمير، فهو لن يقضي 24 ساعة في اليوم داخل قاعات التحصيل، الأمير بحاجة إلى مراكز ثقافية، إلى دور سينما، إلى أنشطة سياسية موازية، بحاجة إلى لقاءات مع شخصيات نافذة عالمية، بحاجة إلى الاحتكاك بثقافات مختلفة، إلى ركوب سيارة والتنقل عبر شوارع تاريخية، مراكز ترفيهية، مساحات خضراء، ركوب الأمواج، استراحة قبالة الوادي… فهل توفر له مدينة بنجرير ذلك ؟
متابعة الامير مولاي الحسن دراسته الجامعية في لوس أنجلس، أو في نيويورك، في طوكيو، في لندن، في تورونتو… ستمنحه فرصة الاحتكاك بثقافات مختلفة، ستفتح عيناه على أمور عديدة، ستمكنه من فهم العالم الغربي بشكل أفضل، وستمنحه القدرة على المناورة في تدبير شؤون البلاد الدبلوماسية كما يفعل والده الملك محمد السادس حاليا.
إعداد ملك الغد، يبدأ اليوم، والمسؤولية في ذلك قائمة الآن، ويجب إعداد الأمير مولاي الحسن بالطريقة الصحيحة لتحمل مسؤولياته كملك بكل أريحية.
فيضانات الدارالبيضاء، كثرة المشاكل في تدبير الشأن العام بمدينة فاس، تراجع مستوى الإعلام، مشاكل بالجملة يمكن اليوم للأمير مولاي الحسن أن يطلع عليها عن قرب، يحضر بصفته متابعا وليس مشاركا : في مجالس المدن، يحضر للقاءات وزارية، في لقاءات حزبية… دون بروتوكول أو صور أو أي قرب من الفعاليات الحاضرة. يحضر الأمير ينجز تقريرا ثم يكون له لقاء شهري أو نصف سنوي مع والده ملك البلاد، بحضور رئيس الحكومة ومستشاري الملك، يلقي أمامهم سمو الأمير تقريرا مفصلا حول ما عاينه خلال الفترة.
من جهة، سيحتك الأمير بالفعاليات المساهمة في تدبير الشأن العام، وسيكتسب تجربة واسعة، ومن جهة أخرى سيطلع ملك البلاد على ملفات حساسة قد يتردد بعض المسؤولين عن نقلها الى الملك.
لم يسبق لي أن زرت مدينة بنجرير، لكنني لا أشك أنها مدينة رائعة، وأن سكانها اروع، لكن أنا واثق بأنها لا تتوفر على محيط يساهم في احتضان ملك الغد أمير اليوم، مولاي الحسن، بعد طول عمر لملك البلاد محمد السادس حفظه الله.