صمت النخب وتواطؤ الأحزاب… والشعب وحده يذود عن الوطن والملكية

28 أغسطس 2025
صمت النخب وتواطؤ الأحزاب… والشعب وحده يذود عن الوطن والملكية

الصحافة _ كندا

تكشف الأحداث المتسارعة أن المناعة السياسية والثقافية والإعلامية في المغرب تعيش حالة شلل خطير، إذ لم تعد قادرة على التصدي للمؤامرات والدسائس التي تحاك ضد استقرار الوطن ووحدته. جهات خارجية وأخرى داخلية تحرك حملات منظمة، توظف الإعلام المأجور والهجمات السيبرانية لضرب صورة الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، في وقت يلتزم فيه جزء واسع من النخب السياسية والمدنية الصمت المطبق، وكأن الأمر لا يعنيها. وحده الشارع الرقمي، عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحول إلى ساحة مواجهة يقودها مواطنون عاديون بحماس وطني صادق، ليتصدوا بجرأة للأكاذيب والتضليل، فيما الأحزاب والجمعيات التي تستفيد من المال العام لا ترى أمامها سوى استحقاقات انتخابية تُدير لها كل الاهتمام، متجاهلة معركة الوطن ضد خصومه.

الأدهى أن هذه النخبة الحزبية والثقافية التي كانت في الماضي تُقدَّم كصوت الضمير الشعبي، تخلت اليوم عن دورها الطبيعي، مكتفية بالصراع على المواقع والمكاسب. فالتاريخ السياسي المغربي، منذ الاستقلال، عرف جيلا من المثقفين والسياسيين انشغلوا بالمواجهة مع الدولة وسعوا لإسقاط النظام، لكنهم فشلوا في رهاناتهم، بينما أثبتت المؤسسة الملكية قدرتها على الإصلاح والتطوير، حاملة مشروع التحديث والديمقراطية وحقوق الإنسان. دستور 2011، وما سبقه من إصلاحات كبرى، شكّل منعطفاً تاريخياً، لكن النخب الحزبية لم تستطع مواكبة هذا المسار، فعجزت عن أجرأة العديد من بنوده، وتخلّفت عن المساهمة في بناء النموذج المجتمعي الذي دعا إليه الملك محمد السادس.

النتيجة أن الدولة، التي كانت تُتهم برفض الانفتاح، صارت هي الحاملة لقيم الديمقراطية والمناصفة والحداثة، فيما ظلت الأحزاب عاجزة عن الارتقاء إلى مستوى اللحظة. خطاب العرش لسنة 2016 كان واضحاً حين دعا الملك الأحزاب إلى اختيار مرشحين أكفاء ونزهاء، لكنه كان أيضاً مؤشراً على ضعف هذه التنظيمات التي لم تفِ بوعودها ولم تحسن صناعة النخب.

والواقع أن كثيرا من الذين كانوا يرفعون شعارات الديمقراطية تحولوا إلى جزء من أعطابها، إذ تورط بعض المنتخبين في ملفات فساد ونهب، ووصلت القضايا إلى المحاكم، ومع ذلك ما زالت الأحزاب تزكيهم في الانتخابات. أما المشاركة النسائية، التي يفترض أن تكون ثمرة دستورية، فبقيت رهينة “الكوطا”، مع فشل شبه تام في إيصال النساء عبر صناديق الاقتراع المحلية.

وفي معركة تعديل مدونة الأسرة، ظهرت ملامح الفجوة بشكل جلي: النظام الملكي حمل المبادرة، بينما غالبية الأحزاب أبدت فتوراً واضحاً، تاركة الساحة لحزب العدالة والتنمية ليستغل الملف انتخابياً تحت غطاء الخطاب المحافظ. هكذا ظهر الصراع وكأنه بين الدولة، الساعية لتكريس حقوق النساء، وبين الإسلام السياسي، الذي يتمسك بتكريس الهيمنة والتمييز.

الخطير أن جزءاً من النخبة الثقافية والسياسية انخرط في خطاب التيارات الإسلاموية، بل وذهب إلى حد ترديد سرديات أجنبية معادية للوطن، مثل اتهام المغرب باستعمال برنامج “بيغاسوس”، رغم نفي الحكومات الأوروبية المعنية. هذه الفئة من “تجار النضال” لم تجد حرجاً في الاصطفاف وراء دعايات مغرضة، ضاربة بعرض الحائط المصلحة الوطنية.

بهذا المشهد المأزوم، يبدو أن من يفترض فيهم حماية المشروع الديمقراطي والحداثي تحولوا إلى جزء من أعطاب المشهد، تاركين الشعب وحده يواجه الحملات العدائية، بينما يظل الملكية الضامن الوحيد لمسار الإصلاح والاستقرار.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق