الصحافة _ كندا
يعيش قطاع التعليم في المغرب على وقع تجاذبات حادة وصراع متنامٍ بين قطبين متناقضين، يمثل الأول المدرسة العمومية باعتبارها فضاءً للمجانية وتكافؤ الفرص، فيما يجسد الثاني التعليم الخصوصي كخيار لفئة ميسورة تبحث عن الجودة والانفتاح على المناهج العصرية.
ومع كل دخول مدرسي، يتجدد النقاش حول جدوى المدرسة العمومية ومكانتها في مقابل توسع التعليم الخصوصي، الذي بات يفرض حضوره بقوة وسط مخاوف من تحوّل التعليم إلى ميدان يخضع لمنطق الربح والخسارة بدل الرسالة التربوية والاجتماعية التي يفترض أن يحملها.
ويرى المدافعون عن التعليم العمومي أنه آخر معاقل العدالة الاجتماعية في المغرب، إذ يمنح أبناء الطبقات الفقيرة فرصة للولوج إلى المعرفة دون تمييز، بينما يعتبر أنصار التعليم الخصوصي أن هذا الأخير أصبح ضرورة لتحسين الجودة وتطوير المناهج بما يواكب حاجيات سوق الشغل.
غير أن النقابات التعليمية ترى أن ما يجري هو عملية ممنهجة لتفريغ المدرسة العمومية من دورها الاجتماعي، عبر إضعاف تمويلها وتهميشها لصالح القطاع الخصوصي، الذي يركّز على الاستثمار والربح على حساب البعد الإنساني والتربوي.
وتشير المواقف النقابية إلى أن العلاقة بين القطاعين لم تعد علاقة تكامل، بل تحولت إلى صراع وجودي تحكمه سلطة المال والنفوذ، حيث تراجع التعليم العمومي تحت وطأة الهشاشة وقلة الموارد، مقابل ازدهار التعليم الخصوصي المدعوم بإعلانات قوية وشبكات مصالح مؤثرة.
ويذهب المراقبون إلى أن المدرسة العمومية أصبحت ملاذاً للفئات المهمشة، بينما يحتكر أرباب التعليم الخصوصي النخب التعليمية وأفضل الكفاءات، ما يكرّس انقساماً طبقياً واضحاً بين من يتعلم وفق قدرته المالية لا وفق كفاءته.
وفي ظل هذا الواقع، تجد وزارة التربية الوطنية نفسها أمام تحدٍ معقّد: كيف توفّق بين قطاع عمومي يمثل ركيزة الدولة ومجالاً للإنصاف الاجتماعي، وقطاع خصوصي يُنظر إليه كشريك اقتصادي يسعى إلى الربح والاستثمار؟
لكن المؤشرات الميدانية تؤكد أن التوازن بينهما ما يزال هشاً، وأن الخيط الفاصل بين المدرسة العمومية ومدرسة النخبة الميسورة يتسع عاماً بعد آخر، في مشهد يعكس أزمة عميقة في فلسفة التعليم ودوره في بناء العدالة المجتمعية.














