بقلم: عبد المجيد مومر الزيراوي
هكذا فجأة صار متطرفو الخلافة مجاهدين في سبيل السيادة الوطنية، و فجأة صارت الجماعة المُسْتَلَبَة مدافعًة مُنافحًةً عن الإستقلالية. ثم فجأة هتَف تبْعُ أوهام الخلافة الإخوانية، أولئك المقلدون لمنهاجها التربوي و التكويني و التنظيمي و الاجتماعي و السياسي. بل هكذا على حين غِرة ، حلَّت ساعة القيامة الشعبوية و ركب الجميع فوق تدوينة السفيرة الفرنسية، و أعدوا المقاصل لقطع رأس شكيب بنموسى رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
و رغم نواقص طريقة اشتغال شكيب بنموسى ، و الملاحظات الرصينة التي نريد بها تنقيح و تجويد عمل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، و التي تظل إنتقادات مشروعة. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نثقَ في نزاهة الدوافع المُحركة لهذه الحملة الشعبوية المغرضة ضد شكيب بنموسى! ، لا سيما و نحن على يقين أن السابقين إليها الأوائل هم حَفَظَة عقائد الخلافة الكهنوتية المارقة، و منْهُم الذين لم يعترفوا قط بسيادة الدولة المغربية حتى جاءت تدوينة السفيرة الفرنسية. فَعَمِلوا على تحميلها ما لا تَحتَمِل، و هُم يقصدون التمهيد لمعركَتِهم القادمة و الدعاء بالنصرة للحماية التركية-الإخوانية.
و تأملوا معي كيف أن إخوان تركيا لم يتحركوا حين ناقش شكيب بنموسى سفراء دول أجنبية عديدة. بل هاجوا حين تعلق الأمر بمقابلة رقمية مع سفيرة فرنسا، فهنا مربط العقدة التركية. و لأجل هذه العِلَّة المُعتَلَّة، لسنا ملزمين بالإنخراط في حملة تسعى إلى نقل عدوى التطاحنات الإقليمية إلى أرض المملكة المغربية. مثلما أننا لا نقبل بهذا الإستظلال المشبوه بمشاعر الوطنية، و لن نسمح لزبانية التمويه الإخواني المخيف بِجَرِّنا نحو التماهي مع مصالح مهندسي الأطماع التركية التوسعية .
نعم إن دعاة الإستيلاب التركي يحاولون تصفية حسابات سياسية تخص جماعتهم الأم و يقدمون خدمة لمخططاتها التخريبية بالضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. حيث لم يجدوا غير مسخ التَّدَثر بغطاء غيرتهم الوطنية المستجدة، و لم نسمعهم يطرحون مقترحات تنموية تغني النقاش الوطني بالمقترحات الرزينة لأنهم لا يملكون بدائل تعود بالنفع الاقتصادي و الاجتماعي على المغرب. فَهُم لا يُتقِنون غير النفخ في نارٍ لن تحرق الذين ظلموا خاصة بل ستحرق معها سفينة النموذج التنموي المنشود.
بالتالي سنبادر من جديد إلى طرح الأسئلة العقلانية :
لماذا لم يتحرك الترند على تويتر حين تم استهداف قضية الصحراء المغربية ؟!.
و لماذا لم يُستَفز شعورهم الوطني حين أفتى شيخهم القرضاوي قائلا : “أعتقد أن الأساس الذي بنيت عليه الفتوى للأقليات المسلمة في أوروبا ينطبق على الإخوة بالمغرب؟!.
عذرا .. إنهم لا يتذكرون أننا أمة و أننا دولة لها تاريخ و حضارة و تقاليد و أعراف خاصة بنا ، إلاَّ حين تأتيهم الأوامر من سدنة الخلافة بغرب آسيا. و لأن منطقة شمال أفريقيا تعرف اليوم غزوة عثمانية جديدة تهدد الاستقرار و السلم و السلام في حوض البحر الأبيض المتوسط ، تجدُهم يفذلكون التويتات و التدوينات كيْ ينشروا متون الإستيلاب العثماني الجديد تحت يافطة الدفاع عن شعور الأمة المغربية و سيادة وطنها.
و ما هم في الحقيقة إلا أتباعٌ مأجورون يتعمَّدون تلطيخ صورة النموذج التنموي الذي يجري إعداده، و يستغلّون الفرصة الكبيرة ليَهدموا كل المجهودات التي تقوم بها لجنة شكيب بنموسى من أجل إبداع مشروع يخص المغرب البلد المنفتح على الشركاء الاستراتيجيين. و لعلَّه من البديهي أن يكون التحاور مكثفا و منتظما مع فرنسا بالنظر إلى ما يربطنا بها من علاقات ثنائية متميزة قائمة على التكافؤ، واحترام استقلال و سيادة الآخر. و أيضا باعتبارها الشريك الاقتصادي الأساسي للمملكة المغربية و أكبر المستثمرين بها. كما أن المغرب يعد من المستفيدين الرئيسيين من مساعدات الوكالة الفرنسية للتنمية.
و أختم بالتنبيه إلى ضرورة استحضار المصلحة الوطنية العليا ، و عدم توريط المغربيات و المغاربة في حرب بالوكالة تدور رحاها حول صراع زعامة مفضوح يراد منه التمكين للمخطط التركي-الإخواني. و ذلك من خلال تفكيك دول المغرب الكبير و توسيع دائرة السيطرة السياسية و الثقافية داخلها ،و الوصاية على حكوماتها و عزلها عن محيطها الجيو-ستراتيجي في أفق إستعدائه.