الصحافة _ كندا
تشهد السواحل المقابلة لمدينة سبتة المحتلة مأساة إنسانية متجددة كل صيف، حيث يدفع اليأس مئات الشباب المغاربة إلى خوض مغامرة السباحة في عرض البحر أملاً في بلوغ الضفة الأخرى. غير أن هذه المحاولات، التي لا تتعدى مسافتها في الظاهر ثلاثة كيلومترات، تتحول في الواقع إلى مواجهة قاتلة مع الأمواج والتيارات البحرية، أسفرت منذ بداية العام عن مصرع ما لا يقل عن 17 شخصًا، وفق ما أوردته صحيفة “لا راثون” الإسبانية.
الأرقام الرسمية لا تعكس حجم المأساة بالكامل، إذ تشير المصادر الأمنية إلى أن كثيرًا من الجثث لم يُعثر عليها، بعدما ابتلعها البحر في صمت، ما يجعل العدد الحقيقي للضحايا أكبر بكثير. وبين من تمكن من النجاة ومن ابتلعته الأمواج، تبقى القصص الإنسانية شاهدة على قسوة الطريق البحري، حيث يقضي المهاجرون ساعات طويلة في الماء – تصل أحيانًا إلى عشر ساعات – وسط إرهاق شديد، وعطش خانق، وحتى هجمات طيور النورس.
رحلة الموت هذه تبدأ غالبًا من موانئ صغيرة أو نقاط ساحلية في شمال المغرب، مستغلة فترات الضباب الكثيف في الصباح لحجب الرؤية عن أعين الحراسة. ومع تشديد السلطات المغربية للمراقبة البرية على المعابر الحدودية، بات البحر المسار الأكثر استخدامًا، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر جسيمة.
التقارير الإسبانية تبرز أيضًا الجانب المأساوي لاستغلال القاصرين، إذ سُجّلت حالات وصول أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عامًا عبر هذه المغامرة البحرية، وهو ما يثير مخاوف متزايدة بشأن سلامتهم الجسدية والنفسية. فالمهاجرون البالغون الذين يتم توقيفهم يعادون مباشرة إلى المغرب، بينما يُحوَّل القاصرون إلى مراكز إيواء داخل سبتة، في انتظار البت في أوضاعهم.
وتعكس هذه الظاهرة، التي تتكرر سنويًا، حجم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع هؤلاء إلى المجازفة بحياتهم، في مشهد يضع السلطات على الجانبين أمام تحديات إنسانية وأمنية معقدة، تتجاوز حدود البحر إلى عمق السياسات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.