زلزال ملكي يربك الأحزاب ويعيد تشكيل خريطة انتخابات 2026

20 أغسطس 2025
زلزال ملكي يربك الأحزاب ويعيد تشكيل خريطة انتخابات 2026

الصحافة _ كندا

أحدث الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش زلزالا سياسيا غير مسبوق داخل الأحزاب المغربية، بعد أن وجه الملك بشكل مباشر الحكومة إلى ضرورة التسريع بإخراج القوانين المؤطرة للانتخابات التشريعية لسنة 2026 قبل نهاية السنة الجارية. فهذه الدعوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، تحمل في العمق دلالات سياسية عميقة، إذ ترسم ملامح مرحلة انتقالية تسعى الدولة من خلالها إلى إعادة بناء الشرعية الانتخابية وإعادة ضبط قواعد اللعبة السياسية قبل دخول محطة ستحدد مصير المشهد الحزبي والتمثيلي في العقد المقبل.

الارتباك الذي ظهر جليا خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده وزير الداخلية مع قادة الأحزاب كشف عن أزمة ثقافة سياسية متجذرة في بنية هذه التنظيمات، إذ بدا واضحا أن معظم القيادات عاجزة عن التمييز بين المقاربة القانونية والدستورية من جهة، والمقاربة السياسية من جهة أخرى. وحده بعض القادة، وفق شهادات من داخل الاجتماع، تمكنوا من إدراك حجم التحول الذي يحمله التوجيه الملكي. أما البقية فقد أعادوا إنتاج خطاب قديم يختزل الانتخابات في تفاصيل تقنية، متجاهلين أن القوانين ليست سوى أداة تنظيمية، وأن جوهر العملية الانتخابية يبقى رهينا بالإرادة السياسية للدولة والأحزاب والمواطن.

وزير الداخلية كان صارما وهو يحدد مهلة نهاية غشت كأجل نهائي لتقديم المقترحات، في إشارة واضحة إلى أن الزمن السياسي لم يعد يسمح بالمماطلة. وهنا برز سباق محموم داخل مختلف الأحزاب، حيث سارعت القيادات إلى عقد اجتماعات مع خبرائها القانونيين لإعداد مذكرات فردية، بعيدا عن أي منطق تشاركي أو مذكرات مشتركة بين الأغلبية والمعارضة. وهو مؤشر على أن التوافق الوطني مازال غائبا، وأن كل حزب يفكر بمنطق حسابات انتخابية ضيقة مرتبطة بمصالحه ومواقعه المستقبلية، أكثر من تفكيره في الرهانات الكبرى للبلاد.

القوانين المطروحة على الطاولة ليست عادية؛ فهي تشمل مراجعة القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والقانون التنظيمي لمجلس النواب، وتجديد اللوائح الانتخابية، وتنظيم الحملات الإعلامية، وضبط الملاحظة المستقلة، وتحديد الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد. هذه النصوص ستحسم معركة مبكرة على قضايا خلافية مثل العتبة الانتخابية ونمط الاقتراع وتوسيع القاعدة الناخبة وتوزيع المقاعد. وهنا يكمن عمق التحدي، فالقوانين ستتحول إلى ساحة مواجهة سياسية ستعيد رسم حدود السلطة بين الأحزاب فيما بينها، وبينها وبين الدولة، وصولا إلى العلاقة المعقدة مع المواطن.

ومع ذلك، فإن جوهر المسألة يتجاوز البنية القانونية، لأن النصوص مهما كانت دقيقة ستبقى عاجزة عن إعادة الاعتبار للعملية الانتخابية في غياب إرادة سياسية مشتركة. فالتجربة أثبتت أن الخطر الحقيقي لا يكمن في إخراج الترسانة القانونية في وقتها، بل في عجز الأحزاب عن إقناع الناخب المغربي بالمشاركة في العملية الانتخابية، بعد أن تآكلت الثقة في المؤسسات المنتخبة وتراجعت صورة الأحزاب التي فقدت الكثير من رصيدها الرمزي والسياسي.

إن انتخابات 2026 ليست محطة عادية؛ فهي ستشكل اختبارا ثلاثيا: اختبار الدولة في ضمان انتخابات نزيهة، واختبار الأحزاب في تجديد نخبها وخطابها، واختبار المواطن في إعادة ثقته بالعملية السياسية. لكن الخطر الأكبر يظل ماثلا في احتمال أن تبقى المشاركة ضعيفة، بما يحول الانتخابات إلى لحظة شكلية بلا محتوى ديمقراطي حقيقي.

الرهان إذن يتجاوز قوانين انتخابية صارمة إلى ضرورة صناعة توافق سياسي جديد يفتح أفقا لمغرب يدخل مرحلة مونديال 2030 بمؤسسات قوية ونخب قادرة على الاستجابة لتحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة. الخطاب الملكي وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية: إما إنتاج لحظة انفراج سياسي تجعل من انتخابات 2026 محطة تأسيسية، أو إعادة إنتاج أزمة ثقة عميقة قد تدفع المواطن إلى معاقبة الأحزاب والدولة معا بآلية المقاطعة، بما يجعل العملية الانتخابية فاقدة لأي معنى ديمقراطي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق