الصحافة _ وكالات
فتحت أزمة تفشي فيروس كورونا مجموعة من الفرص أمام المغرب لتعزيز موقعه الأفريقي. فعلى نحو لافت، سارعت الرباط، منذ الأسبوع الماضي، إلى الاستفادة من إمكاناتها المتوفرة في الجهاز الصحي وقطاع الصناعات الوطنية، لإرسال مساعدات ومستلزمات طبية وقائية إلى 15 دولة أفريقية لدعم جهودها في مكافحة هذه الجائحة.
وفيما يبدو أن المملكة المغربية أصبحت أكثر من أي وقت مضى تركز على دبلوماسية جديدة ناعمة من أجل اختراق العمق الأفريقي، فإن سؤالاً يُطرح اليوم عن إمكان نجاح “دبلوماسية الكمّامات” في دعم الحركة الدبلوماسية المغربية التي تدمج الجانبين الاقتصادي والديني، في مواجهة التحديات التي يطرحها التفاوت بين محدودية إمكاناتها وطموحاتها الكبيرة فوق الرمال المتحركة لأفريقيا.
وبدا جلياً، من خلال الثناء والإشادة اللذين تلقاهما المغرب على مبادراته الإنسانية، خلال الأيام الماضية، من قبل قادة الدول الأفريقية ومنظمة الصحة العالمية، أن الرباط لم تفوّت فرصة الظروف الاستثنائية، لبعث رسائل إلى العمق الأفريقي عن طريق تقديم ملايين الكمّامات والأجهزة الطبية، التي باتت إحدى أهم الوسائل التعبير عن “التضامن السياسي” بين الدول في زمن كورونا.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتولّى فيها المغرب قيادة التضامن مع دول القارة، إذ تجسد الأمر في مناسبات عدة، منها خلال أزمة فيروس إيبولا، أو عبر إقامة مستشفيات عسكرية ميدانية، أو احتضان وإدماج المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في المملكة، أو من خلال وضع خبرة المملكة في خدمة تنمية القارة في مجالات عدة، كالزراعة والصيد البحري والخدمات الصحية. وتضاف إلى هذه المبادرات أيضاً الجهود التي تبذلها المملكة في إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والمنتشرة في عدد من البلدان الأفريقية.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أطلق العاهل المغربي الملك محمد السادس مبادرة لتقاسم التجارب بين دول القارة الأفريقية لمواجهة تأثيرات كورونا، وذلك في سياق مساعي المغرب لبناء علاقات أفريقية أقوى وأمتن على قاعدة تبادل المصالح والمشاريع. واقترح إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الأفريقية تهدف لإرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الأفريقية في مختلف مراحل تدابيرها لمواجهة الفيروس، وذلك من خلال تقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول في وجدة، خالد الشيات، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ الرؤية المغربية لأفريقيا تقوم على إرساء “البُعد التضامني” بين البلدان الأفريقية، لأن القارة “يمكن أن تصنع نفسها بنفسها”، لافتاً إلى أن المبادرة المغربية هي مبادرة عملية وواقعية تتماشى مع قناعات المغرب الأخلاقية، ومسؤولياته التاريخية إزاء دول هي في أمسّ الحاجة إلى تلك المساعدات. كما أن المبادرة، برأيه، تدخل في سياق نسق تكريس الدور المغربي في أفريقيا، ليس على المستوى الاستراتيجي فقط، وإنما أيضاً على المستويات الاجتماعية والانتماء الحضاري. واعتبر الشيات أن التحرك الدبلوماسي المغربي من خلال إرسال مساعدات طبية إلى مجموعة من بلدان القارة هو بمثابة “دبلوماسية من أجل نفسٍ جديد في أفريقيا”، مشيراً إلى أن “الرباط تستثمر في علاقات جنوب – جنوب (القارة) مع الأخذ بعين الاعتبار قاعدة رابح – رابح، أي مكاسب مشتركة”.
وعلى امتداد السنوات الماضية، راهن المغرب على دوره الاستراتيجي في مدّ جسور التواصل مع بقية الدول الأفريقية، والتوجه نحو الجنوب، بعدما أدرك، بعد سنين طوال، التداعيات السلبية لسياسة الكرسي الفارغ التي كان ينتهجها، خصوصاً في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، داخل القارة السمراء. وقد تُوجّت هذه الاستراتيجية الجديدة بمجموعة من المكاسب المهمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان على رأسها الانضمام إلى منظمة الاتحاد الأفريقي بداية عام 2017، والحصول على عضوية مجلس الأمن والسلم الأفريقي في بداية عام 2018، وتوسيع المشاريع الاستثمارية في العديد من الدولة الأفريقية. وبات المغرب، بحسب بيانات اقتصادية، أول مستثمر في منطقة غرب أفريقيا، في الوقت الحالي، كما أن المملكة هي ثاني مستثمر في القارة، بشكل عام، بعد جنوب أفريقيا.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، رأى الشيات أن الدبلوماسية المغربية تصطدم بتحديات أخرى، فأفريقيا ليست مجالاً مفتوحاً، وإنما هي مجال للتنافس الاستراتيجي القوي بين قوى عالمية من قبيل الصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما أنها تعرف الكثير من التعقيدات والعراقيل والإشكالات السياسية والاجتماعية التي تفرض على المغرب المزيد من العمل. واعتبر الشيات أنه في ظلّ الإمكانات المغربية المحدودة وطنياً، يتعيّن التفكير في الدخول إلى أفريقيا بالتوازي مع استراتيجيات قوى عالمية أخرى، إذ يمكن للرباط أن تكون مرتكزاً لتلك الاستراتيجيات في القارة السمراء في ظل انسجام الاستراتيجية المغربية التعاونية القائمة على مبدأ رابح – رابح مع استراتيجية قوى لها أيضاً توجّه تعاوني. ورأى أن مستقبل الاستراتيجية المغربية في أفريقيا هو رهن بالتحولات التي تقع في العالم، وبالتحولات المفاهيمية في السياسة الخارجية.
ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن أفريقيا ليست بحاجة إلى مساعدات آنية فقط، وإنما أيضاً إلى منظومة للمساعدات، ولتحديد طبيعة الحاجيات الاجتماعية والصحية والتعليمية وحتى الروحية التي تحتاج إليها القارة. وأشار إلى أن هذا العمل تمكن مأسسته من خلال إيجاد مؤسسة وطنية خاصة بدعم المساعدات الموجهة إلى الدول الأفريقية، تضم جهات متعددة من قبيل القطاع الخاص ومؤسسات وطنية ومؤسسات وسيطة كالزوايا الدينية.