خطورة قرار الخروج من الحجر الصحي.. تفاصيل مثيرة حول تبني “وزراء أخنوش” رؤية مخالفة لرؤية محمد السادس والمقامرة بأرواح المغاربة!

26 مايو 2020
خطورة قرار الخروج من الحجر الصحي.. تفاصيل مثيرة حول تبني “وزراء أخنوش” رؤية مخالفة لرؤية محمد السادس والمقامرة بأرواح المغاربة!

بقلم: مراد بورجى*

بعد قرار رئيس الحكومة تمديد الحجر الصحي لغاية العاشر من شهر يونيو المقبل، تفاجئ المغاربة بقرار آخر مخالف تماما لهذا القرار صادر هذه المرة عن وزير من حزب أخنوش وهو وزير المالية محمد بنشعبون دعا فيه المغاربة للخروج من الحجر الصحي للإلتحاق بالعمل بجميع المقاولات ابتداءا من يوم ثاني عيد الفطر، أي 14 يوم قبل انتهاء القرار المصادق عليه من طرف المجلس الحكومي.

هذا القرار الذي أعلنه وزير المالية الذي يقوم في نفس الوقت بتنسق أشغال لجنة اليقضة الإقتصادية التي تضم ضمن تشكيلتها وزراء حزب الأحرار الأربعة بعدة حقائب وازنة يشكلون بها الأغلبية داخل هذه اللجنة وعلى رأسها محمد بنشعبون وزير المالية منسق اللجنة وعضوية احفيظ العلمي وزير الصناعة ومديرة شركته السابقة التي أصبحت وزير للسياحة بإسم الحزب دون أن تنخرط فيه ليوم واحد، وأخيرا عزيز أخنوش رئيس الحزب ووزير الفلاحة.

لقد أثار هذا القرار جدل واسعا، وطرح تساؤلات كثيرة كان أبرزها هو: لماذا قرر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني المنتمي لحزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يدعي أنه ينفد فقط قرارات يأخذها الملك شخصيا تمديد الحجر الصحي لثلاث أسابيع أخرى، في حين قرر في أقل من 24 ساعة وزيرهم في المالية المنتمي لحزب البلوكاج عكس ذلك.

رئيس الحكومة الإسلامي سعد الدين العثماني كان واضحا في كل محطات هذا الحجر، وعبر في كل مرة على أن الملك محمد السادس هو من يتابع الموضوع شخصيا وعن كثب.

وهذا بالضبط ما أخبر به العثماني قادة الأحزاب السياسية خلال اجتماعه معهم يوم 22 من شهر أبريل الماضي لتبادل الرأي والنقاش حول الظرفية التي تمر منها بلادنا بسبب انتشار وباء فيروس كورونا “كوفيد-19”.

الخطير في هذا الإجتماع هو أنه اقتصر فقط على قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان، وأنه دعاهم لهذا اللقاء من أجل فسح المجال لهذه لأحزاب للقيام بدورها في التأطير والتعبئة الوطنية لمواجهة “تبعات هذه الجائحة”، وليس في المشاركة في تدبيرها من الأساس.
هذا التدبير الذي هيمن عليه أكثر الوزراء المنتمين لحزب أخنوش.

رغم أن الخرجات الإعلامية المتكرر سواءاً لرئيس الحكومة أو لوزيري الصناعة والمالية كانوا يحاولون التنصل كل مرة من المسؤولية وإيهام الناس بأن كل شيئ يقرر فيه ملك البلاد لوحده متناسين بقصد أن الملك يأخد القرارات السيادية والاستراتيجية ويحدد البوصلة.

في حين أن الحكومة بوزرائها مسؤولة عن كل ما يقدم من تقارير وأرقام ومعطيات تقنية يبني عليها الملك قراراته.

فقد حرس الجالس على العرش جعل من صحة المواطنين أولوية، فأخد قرارات استباقية جنب بها المغاربة كارثة حقيقية، ويجب أن نعترف أن الملك استطاع أن يدبر هذه المرحلة بنجاح لغاية اليوم.

وإذا كان رئيس حكومته في كلمته أمام غرفتي البرلمان يوم 18 ماي يقول إن “الوضعية الوبائية مستقرة لكنها لا تزال غير مطمئنة كلية”، مشيرا خصوصا إلى بروز بؤر إصابات بالفيروس في تجمعات عائلية أو مرافق صناعية أو تجارية، وبذلك تقرر التمديد لغاية العاشر من الشهر المقبل.

أخطر من ذلك أعلن العثماني أن رفع الحجر سيتم وفق مبدأ التدرج ومراعاة الفوارق في الوضع الوبائي بين الجهات، لافتا في الوقت نفسه إلى “إمكانية التراجع عن رفعه عند بروز أي بؤرة جديدة أو ارتفاع حالات الإصابة” بالفيروس..

فكيف مع هذا قرر وزراء الأحرار عبر وزير ماليتهم وأعضاء لجنة يقضتهم من جهتهم خروج المواطنين للعمل خارج قرار رئيس الحكومة كما فهم المواطنون.

هؤلاء المواطنون من دافعي الضرائب يتساؤلون اليوم بسبب هذا الإختلاف بين حزب البيجيدي الحاكم وحزب أخنوش الذي ينتمي وزراؤه لشريحة الباطرونا المستفيدة الأولى من الإقتصاد المغربي عمن سيتحمل مسؤولية قرار الخروج الكبير للمغاربة للعمل ومواجهة فيروس كورونا الخطير وجها لوجه فقط بكمامات الوزير أحفيظ العلمي؟.

هل لا يفهم هؤلاء الوزراء أننا نعرف أنهم مارسوا علينا استراتيجية الاختباء في بيوتنا فقط لحد الآن دون أن نواجه الجائحة بسبب تعثر الحكومة التي أضاعت على المغرب فرصة اقتناء المعدات والستلزمات الطبية الضرورية في وقتها قبل أن تنقرض من السوق خلال 80 يوما من ظهور الجائحة قبل أن يدخل الملك شخصيا على الخط ويأخذ بزمام الأمور؟.

هل فعلا منظومتنا الصحية المهترئة أصبحت بين عشية وضحاها قادرة على التكفل بالتبعات التي قد تكون مهولة على المغاربة بسبب هذا الخروج، ومواجهة فيروس كورونا الخطير الذي أثبت قوته على الساحة، واستطاع هزم أقوى المنظومات الصحية التي تتوفر عليها الدول العظمى عبر العالم، وقتل عشرات الآلاف من مواطنيها ولازال يفتك بهم لغاية اليوم؟.

إن قرارات الخروج من الحجر الصحي التي اتخذتها هذه الدول جاءت بعد معارك قوية خاضتها أطقمها الطبية عبر الهجوم على الجائحة في عقر بؤرها، وأجرت ملايين الكشوفات، وتعاملت مع مئات الآلاف من الحالات المرضية التي تخلفها الإصابة بعدوى كورونا.

فقررت الخروج بناءا على التجربة التي اكتسبها أطباؤها من جراء كل هذا. واعتمادها على منظومة صحية تمت تقوتها وتطويرها وتدعيمها حتى أصبحت فعالة بكل جهات الدولة بعد أن قدمت هذه المنضومة بدورهم ضحايا بالمئات .

كما شرّعت معظم هذه الدول قبل الخروج من الحجر الصحي قوانين تُحمل من خلالها مسؤولية الخروج لإقتصادياتها ولمواطنيها لحماية أنفسهم بأنفسهم.

نحن لسنا ضد الخروج للعمل، ولكن ضد ارتجالية القرار.

فكيف يريد وزراء الأحرار مقارنة وضعية المغرب بهذه الدول، أم يريدون فقط الإستفادة من خروج مربح اقتصاديا، ومدمر صحيا لا قدر الله.
كان على هؤلاء استغلال الأسابيع الثلاثة المتبقية من الحجر لتوعية المواطنين، ومساعدتهم على استعداد قوي لموجهة الخطر وليس مباغتتهم.

أما في المغرب فقد تحملت مختلف أجهزة الدولة المغربية رغم بعض الإنزلاقات القليلة والمعزولة مسؤوليتها كاملة بالنجاعة اللازمة خلال جميع مراحل الحجر الصحي.

كما تفانت الأطقم الطبية في عملها رغم قلة إمكانياتها.

هؤلاء أول من يتخوف وبتوجس من قرار وزير الأحرار المفاجئ لاستئناف المقاولات للعمل وخروج الملايين للشارع في غياب شروط النظافة الصحية ومدى احترام الدليل الذي أعده أصحاب القرار للخروج، وكيف يمكن لهؤلاء تحمل تبعات الخروج.

أما المواطن المغربي الذي تحمل عبئ سجن الحجر أكثر من ثمانين يوم في أحلك الظروف، وأثبت هذا المواطن أنه مغربي حر، وقام بالتبرع وتعرض للإقتطاع.

في مقابل هذا عمد الكثير من الفاعلين الإقتصاديين إلى خدل الملك والشعب.

فهؤلاء لم يُبدوا أي حس مواطناتي للمساهمة بالقدر الكافي في صندوق دعم مواجهة كورونا، بل منهم من امتدت يده لهذا الصندوق الملكي.

خصوصا أن منهم الذين استنزفوا ثروات البلاد فقط خلال العشرين سنة من من حكم محمد السادس.

فاغتنوا غنا فاحشا، في الوقت الذي ازداد فيه باقي المغاربة فقرا مدفعا، كما سبق أن ردد الملك في أكثر من خطاب.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أثبت تعامل الأبناك خلال الجائحة كما يتهمها الجميع أن عقليتها لم تتغير كما سبق أيضا أن أقر بذلك ملك البلاد في خطاب وجه مباشرة لهم.

ورغم ذلك فإن الأبناك المغربية تسعى للتملص من المسؤولية اليوم وتهدف بكل الطرق لأن تجعل الربح يطغى على المواطنه.
أما أخنوش وحزبه فقد طالب الدولة صراحة بالتوجه نحو الإقتراض.

في الوقت الذي اقْتِطع للموظف، وخُصِم للأجير، أثبتت الحفنة المحظوظة من أصحاب الملايير خصوصا مستغلي النفوذ للوصول للمعلومة المتداولة من الداخل “crime de délit d’initié” أنها لا تفكر إلا في نفسها، فتشدقت على الصندوق الملكي بالفتات المخصوم من الضرائب، وتبجحت بذلك.

واختفى العديد من الأثرياء وناهبي المال العام، ومنهم بعض المحتلين لكراسي التشريع ومعهم وزراء المال والأعمال الذي لازالوا يشهرون سلاح الڤيتو ضد تمرير قانون الإثراء غير المشروع للمصادقة عليه.

إن الدولة اليوم أصبحت تعرف أسماء وعناوين المعوزين، فمبلغ 18 مليار درهم الذي يشكل الجيل الثالث من المبادرة كافي لسد حاجيات هؤلاء وأكثر، كما تؤكد تجربة الحجر الصحي، إذا ما أضفنا لها 18 مليار درهم التي تشكل مبلغ المقاصة الذي يستفيد منه الغني أكثر من الفقير بثلثي المبلغ، فإن الدولة بتوفرها على بنك معلومات المعوزين تستطيع من خلال هذا ربح الرهان، ونوقف بذلك نزيف النهب والريع.

وإذا كان المغرب قد عرف تساهلات لتبييض الأموال المهربة بالخارج سنة 2014 وتبييض الأموال المخفية بالداخل هذه السنة من خلال قانون الإبراء الذي عكس قانون الإثراء غير المشروع، سارع الجميع للمصادقة عليه، فلابد أن يتبع كل هذا حملة تطهير تطال من أغتنوا في ظروف غامضة وبرمشة العين لإسترجاع الثروة المنهوبة التي تساءل الملك عنها مند سنوات.

استرجاع هذه الثروة كفيل بالتغلب على الأزمة الإقتصادية قبل أي مغامرة بأرواح الناس.

فالمغرب لا محالة سيعرف أزمة إقتصادية حادة، وليست أزمة السيولة التي لازالت مخفية بجيوب أغلبهم، ويتملص الكثيرون من التبرع بجزئ منها، وضخ جزئ آخر لفائدة مقاولاتهم للنهوض بالإقتصاد دون الإعتماد على الدولة كما بفسر بعض الخبراء.

أتمنى أن أكون مخطئ في كل هذا، ويكون مخطئين عدد واسع من الشعب الذي يطرح كل هذه الأسئلة ويكيل لكل هؤلاء كل هذه الإتهامات.

نحن لا نختلف أن اقتصاد البلاد له أهمية قسوى، لكننا في المقابل مع رؤية الملك نحمل المسؤولية لمن قرروا اليوم إعطاء الأولوية للإقتصاد والسماح بخروج ملايين المغاربة من الحجر الصحي للعمل.

لابد أن هؤلاء الوزراء ومعهم الباطرونا درسوا الجانب التقني لهذا الخروج الذي لا نفهم نحن خباياه ودواعيه.

الذين قرروا قرارا خطير ومتسرعا مثل هذا وهم يعلمون مسبقا المخاطر المحدقة بالشعب المغربي.

أنهم بهذا القرار أصبحوا يختلفون مع رؤية ملك البلاد كليا في جعل صحة المواطن أولوية، ولو أقنعوه مؤقتا بالعكس.

ولهذا فاليعلم الحالمون بالحكومة، أصحاب هذا القرار أنهم من يوم ثاني عيد الفطر أصبحوا يتحملون كل التداعيات السلبية التي قد تودي بأرواح الناس أمام الشعب وأمام قضائه الذي يحكم بإسم ملك البلاد.

*مراد بورجى: مدير الوكالة الدولية للصحافة والاتصال.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق