الصحافة _ كندا
تحولت صورة التُقطت خلال زيارة مفاجئة لوزير الصحة والحماية الاجتماعية إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس بمكناس، مساء الخميس 18 شتنبر 2025، إلى حديث الرأي العام، بعدما ظهر الوزير واضعًا يده على أنفه أمام عدسات الكاميرات. مشهد بسيط في مظهره، لكنه حمل رمزية قوية حول واقع المستشفيات العمومية، حيث اعتُبر انعكاسًا لحقيقة يعيشها المواطنون يوميًا: روائح كريهة، غياب للنظافة، ضعف الصيانة، واكتظاظ في قاعات الانتظار.
ردة الفعل العفوية للوزير بدت كأنها اعتراف ضمني بما يصفه المتابعون بـ”الإهمال البنيوي المتراكم”، وهي صورة أكثر تعبيرًا من كل الخطابات والتقارير الرسمية التي غالبًا ما تُقدَّم بديكور لغوي وصياغات مُنمّقة. فالمستشفى الذي يفترض أن يكون فضاءً للعلاج والشفاء، تحوّل في نظر كثيرين إلى مكان للانتظار الطويل أو حتى “الموت البطيء”، في مقابل واقع آخر تعيشه الفئات الميسورة داخل مصحات القطاع الخاص.
هذه اللقطة أثارت نقاشًا واسعًا حول جدوى ما يُسمى بالزيارات التفقدية، التي غالبًا ما تتحول إلى استعراض إعلامي أكثر منها آلية للإصلاح، خصوصًا وأن المواطنين يترقبون قرارات جريئة تعالج الاختلالات بدل ردود فعل انفعالية عابرة. كما أنها تطرح سؤالًا أكبر: هل المسؤولون على دراية بالواقع المأساوي للمستشفيات، أم أنهم يعرفونه ويختارون الصمت، وهو الأمر الأخطر؟
ويرى مراقبون أن ما يجري داخل المؤسسات الصحية لا يتعلق فقط بضعف الموارد، بل بغياب رؤية إصلاحية شاملة، وانتشار اختلالات في التدبير، في وقت خُصص فيه لقطاع الصحة 31 مليار درهم في موازنة 2024. ويذهب البعض إلى اعتبار أن الإصلاح الجذري يتطلب ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل فعلي، وربما التفكير في إقالة أو استقالة مسؤولين كبار كخطوة أولى لإعطاء المثل وإعادة الثقة للمواطنين.
الحديث عن حلول لم يعد ترفًا، بل أضحى ضرورة استعجالية: تعزيز كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، تحسين ظروف اشتغال الأطر الطبية، محاربة الفساد والزبونية داخل القطاع، وبالأخص وضع كرامة المواطن في صلب أي إصلاح. فالصورة التي التقطتها عدسات الكاميرا قد تتحول إلى لحظة مفصلية تذكّر الجميع بأن المشكل أكبر من مجرد زيارة، وأن التغيير الحقيقي يبدأ من احترام المواطن وإنسانيته قبل أي شيء آخر.