بقلم: محمد بوبكري
تؤكد وسائل الإعلام الجزائرية أن شهر رمضان المبارك سيكون صعبا على الشعب الجزائري، حيث بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن وقوف الجزائريين في طوابير العار أمام المتاجر من أجل اقتناء المواد الغذائية الأساسية التي تعاني الأسواق الجزائرية من نذرتها وارتفاع أسعارها، مما جعل الصيام صعبا في هذا البلد. ويعود ذلك إلى غياب الدقيق والزيت والحليب ومواد أساسية أخرى. أما اللحوم والدواجن والأسماك والفواكه، فأسعارها لم تعد في متناول أغلب الجزائريين، حيث تم تجميد الأجور، وتدهور الدينار، ما أدى إلى عجز أغلب الجزائريين عن تلبية حاجياتهم التي يتطلبها الصيام. وتوجد على شبكة “الفايسبوك” أشرطة توثق لشكاوى الجزائريين والجزائريات واحتجاجاتهم ضد هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشون فيها، حيث عبر أغلبهم عن عدم قدرتهم على اقتناء الفواكه والطماطم وخضر أخرى، لأنها باهظة الثمن. وقد سمعت سيدة جزائرية تقول إن مليون جزائري يكفي فقط لاقتناء ما يملأ قفة واحدة. كما أن هناك ازدحاما كبيرا أمام المتاجر في “تبسة” و”سطيف” من أجل اقتناء مادة الزيت. وتؤكد هذه المعطيات وغيرها أن الجزائريين يعيشون اليوم في فقر مدقع على جميع الأصعدة. وقد نجمت هذه الوضعية عن سياسة الجنرالات التي يؤكد الباحثون الجزائريون أنه لم يكن لهم أبدًا مشروع تنموي يلبي مطالب الشعب الجزائري، كما أنها ناتجة عن سوء تدبيرهم وفسادهم…
وما زاد هذه الوضعية المزرية تفاقما هو إضراب مستخدمي البريد، الأمر الذي حال دون إمكانية سحب الجزائريين لمرتباتهم، ومعاشاتهم… ومع أن السيولة صارت قليلة جدا في البنوك ومكاتب البريد، فإن السلطة لم تقدم أي تفسير مقنع لذلك، ولم تقدم أي توضيح حول سبب تبخر الأموال. ومن الأكيد أنه من حق عمال البريد أن يخوضوا إضرابا من أجل تحيق مطالبهم، لأن رواتبهم هزيلة ولا تمكنهم من تغطية المصاريف التي تتطلبها حاجياتهم اليومية، كما أن الإدارة تهددهم بتعويضهم بموظفين آخرين…
بالإضافة إلى ذلك، فقد اخترقت المخابرات الجزائرية النقابة، وأصبحت تتحكم في زعامتها، فتحولت السلطة، في أعين هؤلاء الموظفين، إلى وباء يفتك بكل شيء، ما جعلهم يلتحقون بالحراك الشعبي، وبذلك أصبح الشعب كله يطالب بالتغيير الجذري.
ويبدو أن طوابير العار والازدحام أمام المحلات التجارية من أجل اقتناء المواد الأساسية، التي لا توجد في الأسواق بما يمكن أن يغطي الحاجات الأساسية للشعب الجزائري، وقلة السيولة في البنوك ومكاتب البريد، وإرغام رجال البريد ونسائه على إلى الدخول في إضراب؛ كل ذلك مفتعل لإلهاء الشعب الجزائري وثنيه عن المشاركة في الحراك الشعبي السلمي المستمر، ما يعني أن الجنرالات لا يزالون مستمرين في حبك المؤامرات ضد هذا الحراك. ولقد أكد خروج الجزائريين بالملايين في الجمعة الأخيرة أن إرادة الشعب الجزائري أقوى من مؤامرات السلطة ومكرها… غير أن مؤامرات السلطة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها وظفت رئيس نقابة الأئمة وموظفي الشؤون الدينية المدعو “جلول حجيمي”، بتقديم فتوى تحرم الحراك في رمضان، لكن رد فعل الجزائريين كان قويا ضد فتوى هذا المخلوق، حيث وجهوا له، عبر صفحات مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير من النقد لمحاولته اليائسة لتوظيف الدين ضد الحراك، كما وجهوا النقد كذلك للجنرالات الذين وظفوه في ذلك، حيث برهنوا لهما بالحجة والبرهان على أن الإسلام مع حقوق المظلومين وضد الاستبداد.
لذلك، يرى خبراء جزائريون أن الجنرالات ومخابراتهم قد عمقوا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لإلهاء الجزائريين وشغلهم عن المشاركة في الحراك. كما أنهم يهدفون من وراء ذلك إلى استفزاز الشعب الجزائري لتكون ردود فعله عنيفة بهدف اتهام الحراك بالعنف، ما يمنح شرعية لعنفهم. لكن الحراك ظل سلميا، كما أنه وحد الجزائريين، دون إلغاء تعدديتهم بغية تحرير الدولة والإنسان الجزائريين.
هكذا، يتضح أن جواب الشعب الجزائري على مؤامرات الجنرالات وأزلامهم بالحرص على الاستمرار في التظاهر، السلمي تعبيرا عن تشبثه بمطالبه السياسية والاجتماعية عبر مظاهرات سلمية وحضارية، قد حطم أوهام العسكر..
بالإضافة إلى ما سبق، فالنظام العسكري عاجز عن توفير المواد الغذائية بأسعار في متناول الشعب الجزائري، رغم أن للجزائر خيرات طبيعية كان من الممكن أن تجنبها هذه الوضعية المأساوية التي جعلتها تعيش خارج التاريخ، لأن ما يجري فيها لا يحصل في أي بلد آخر. تبعا لذلك، فإن جنرالات الجزائر يفتعلون الأزمات ويزرعون الألغام، وبلغوا أعلى درجات الاستبداد، حيث يستمرون في عنادهم من أجل إقناع الشعب بأنه لن يحقق أهدافه، لكن ما لا يعلمونه هو أنهم عديمي الشرعية، وأن اقتصادهم هش، وأن مطالب الشعب شرعية، ما يعني أنهم راحلون عاجلا أم آجلا.
والخلاصة أنه لا وجود للدولة في الجزائر، لأن الأمر يتعلق بدولة البلطجية والنهب والعنف واغتصاب القاصرين والكبار، وليس بدولة ديمقراطية حديثة، ما جعلها تبدو غريبة في هذا العصر، بل إنها صارت معزولة لا تحظى بثقة أحد، بدءا من الشعب الجزائري، مرورا بالرأيين العامين الشرق أوسطي و الإفريقي، ووصولا إلى الرأي العام الدولي.