الصحافة _ كندا
يشهد النشاط التجاري بمدينة سبتة المحتلة منعطفًا غير مسبوق، مع تزايد الاعتماد على مسار بحري بديل لنقل البضائع نحو المغرب، في ظل الشلل الذي يضرب معبر طرخال التقليدي. هذا التحوّل يكشف ليس فقط عن أزمة في تدبير حركة البضائع، بل عن ارتباك مستمر في مقاربة ملف الحدود من الجانبين المغربي والإسباني.
المسلك الجديد، الذي بات يعوّل عليه تجار المنطقة الصناعية، يعتمد على سلسلة من النقل عبر البحر: انطلاقًا من سبتة نحو الجزيرة الخضراء، فطريفة، ثم طنجة. ويجري تمرير السلع—من قبيل الملابس الفاخرة والأجهزة الإلكترونية—عبر مغاربة يحملون تأشيرات أوروبية، يعملون على اقتنائها من سبتة ثم إدخالها ضمن أمتعتهم الخاصة إلى الداخل المغربي، في ما يشبه “نظام الظل التجاري” الذي يراوغ القيود الرسمية.
ويصف فاعلون اقتصاديون هذا النموذج بأنه “تنفّس مؤقت” لتجارة تعاني من الانسداد، بعد القيود الأمنية والتعقيدات التي جعلت من معبر طرخال نقطة اختناق لا منفذًا اقتصادياً. ويطالب هؤلاء بمراجعة تدخلات الحرس المدني الإسباني، متهمين السلطات بالتضييق دون مبررات واضحة، مما أدى إلى مصادرة بضائع وفرض غرامات أثقلت كاهل التجار.
القلق لا يقتصر على المهنيين المحليين، إذ عبّر “اتحاد أرباب العمل” في سبتة عن مخاوف جدية بشأن مستقبل المبادلات مع المغرب، داعيًا إلى تفعيل نموذج “المسافر التاجر” الذي ظل حبيس القرارات البيروقراطية، مع توفير حد أدنى من الانفتاح التجاري.
وفي مقابل هذه الدينامية الهشة، تلوّح السلطات المحلية بسبتة بإنشاء “كونسورتيوم” لتأهيل المنطقة الحدودية، غير أن التجار يرون في ذلك مجرد إعلان نظري، ما دامت أوضاع النظافة والأمن والخدمات الأساسية تواصل التدهور، وسط غياب تام لأي إرادة إصلاح حقيقية.
ما يحدث اليوم في سبتة هو انعكاس لمعادلة غير متوازنة: تجارة تُمارس على هامش القانون، وحدود تفشل في التوفيق بين الأمن والتنمية، ونموذج اقتصادي محاصر بين جغرافيا استعمارية وقواعد جمركية متضاربة. وفي انتظار حلول استراتيجية، تبقى المدينة أسيرة الحلول المؤقتة والتدبير المرتجل.