بقلم: عادل بن حمزة
عادت الجزائر قبل يومين لتستثمر في عدائها للمغرب، عنوان التصعيد الجديد بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في غشت الماضي، هو إعلان مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منع عبور الطيران المغربي المدني والعسكري الأجواء الجزائرية. النظام الجزائري بهذه الخطوة التي لا تشكل أي تأثير ذي طابع اقتصادي على المغرب، يعبر مرة أخرى عن ضعف حسه بالجانب الإنساني، خاصة بالنسبة للأسر التي تربطها علاقات الدم على الحدود بين البلدين، فبعد قرار النظام الجزائري إغلاق الحدود البرية سنة 1994 هاهو اليوم يمعن في قطع العلاقات الأسرية بإغلاق الأجواء أمام الطيران المدني، في الوقت الذي ارتفعت أصوات من الجزائر والمغرب مطالبة بممرات إنسانية على طول الحدود البرية تساعد في لم شمل العائلات المقسمة بين البلدين. ففي الوقت الذي بادر المغرب من قبل أعلى سلطة في البلاد إلى الدعوة لفتح مسار جديد في العلاقات الثنائية، كان الرد الجزائري هو قطع العلاقات الدبلوماسية…
الإستثمار في المآسي الإنسانية “رياضة” يدمن عليها النظام الجزائري منذ قرر الراحل هواري بومدين تهجير مئات الآلاف من المغاربة صبيحة عيد الأضحى من سنة 1975 حيث تم فصل الأطفال عن أمهاتهم والأزواج عن زوجاتهم مع ما رافق ذلك من مصادرة لأملاكهم، فيما أسماه بومدين ساعتها ب “المسيرة السوداء” ردا على المسيرة الخضراء التي قادها الملك الراحل الحسن الثاني لتحرير الصحراء المغربية من الإحتلال الإسباني، وقد استمر ذلك الاستثمار المؤسف في مخيمات تندوف التي ملئت عبر اختطاف وإغراء بعض الأسر الصحراوية منتصف السبعينات، في نسخة بائسة للدعاية الستالينية و الصور النمطية التي كان يروج لها المعسكر الشرقي لحركات التحرر الوطني. مخيمات تندوف كان النظام الجزائري يعتقد أنها وسيلة مثالية للضغط على المغرب وللترويج لأطروحة الانفصال في الصحراء المغربية، ومع مرور السنوات، تحولت المخيمات من وسيلة للضغط على المغرب، إلى عامل رئيسي يكشف زيف الخطاب الجزائري ومن ورائه مليشيات جبهة البوليساريو.
النظام الجزائري الذي “ذرف” دموعاً غزيرة على ما يسميه “الشعب الصحراوي” منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، لم يؤمن أبسط شروط الكرامة الإنسانية للمحتجزين المغاربة الصحراويين في مخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية، إذ لم تكف النظام الجزائري أكثر من 46 سنة، لنقل بضعة آلاف من المحتجزين/اللاجئين من العيش في الخيم إلى مساكن تحفظ كرامتهم الإنسانية، بل إن النظام الجزائري الذي ما فتئ ينادي بتقرير المصير عبر استفتاء في الصحراء المغربية، هو ذاته النظام الذي يرفض إلى اليوم مجرد إحصاء المحتجزين/اللاجئين في مخيمات تندوف كما تطالبه بذلك الأمم المتحدة، وهو ذات النظام الذي يرفض تمكين اللاجئين الصحراويين من حقوقهم كلاجئين وفقاً لاتفاقية جنيف لسنة 1951، خاصة فيما يتعلق بحرية التنقل والحركة ومن تمكينهم من العودة إلى بلدهم الأصلي أو الانتقال إلى بلد ثالث، بل على عكس كل الضمانات التي يوفرها القانون الدولي، نجد المحتجزين في تندوف عوض أن يكونوا في عهدة الدولة الجزائرية على اعتبار أن تندوف جزء من التراب الجزائري حالياً، نجدهم في عهدة مليشيات جبهة البوليساريو المسلحة وما يرافق ذلك من ممارسات تمس بحقوقهم الأساسية خدمة للهدف الأساسي من إحداث المخيمات منتصف السبعينات وهو هدف دعائي لم يحقق ما كان مطلوباً منه.
تقدر المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ضمن تقرير لها يعود إلى شهر مارس2018، عدد سكان مخيمات تندوف بـ 173600 نسمة، 38 في المئة منهم دون سن 17 عاماً، وهذا ما يعني أن أجيالاً ولدت في المخيمات ولم يكن لها قرار بخصوص مصيرها الفردي والجماعي، هذه الأرقام تبقى تقديرية ولا تعكس الحقيقة على الأرض لذلك عبر المغرب أكثر من مرة عن ضرورة قيام الأمم المتحدة بواجبها في إجراء إحصاء رسمي لساكني المخيمات، وذلك لوقف استثمار النظام الجزائري ومن ورائه قيادة مليشيات البوليساريو للمحتجزين/اللاجئين، في الحصول على المساعدات الإنسانية والتلاعب بها، وكان قرار مجلس الأمن 2494 الصادر عن مجلس الأمن سنة 2020، واضحاً فيما يتعلق بضرورة تسجيل وإحصاء المحتجزين/اللاجئين في مخيمات تندوف.
التطورات الأخيرة التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية، توضح أن زمن الأزمة ممتد مادام هناك استمرار للنظام الحاكم في قصر المرادية والذي يعبر عن استمرار عقيدة العداء للمغرب، لكن في مقابل ذلك هناك جانب إنساني لا يمكن أن يكون رهينة لمزاجية النظام الحاكم في الجزائر، عنوان هذا الجانب الإنساني هو المحتجزين/اللاجئين في مخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية، لذلك يطرح المغرب باستمرار هذا الموضوع في المحافل الدولية خاصة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول المسؤولية الكاملة للنظام الجزائري في استمرار محنة الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف، وما تتعرض له من إنتهاكات جسيمة متكررة للقانون الدولي والقانون الإنساني والمخاطر الجدية التي يواجهونها جراء انتشار الجريمة المنظمة في منطقة الساحل والصحراء، بما في ذلك الاتجار بالبشر والسقوط ضحية الجماعات الإرهابية في المنطقة.
قضية المحتجزين/اللاجئين في مخيمات تندوف تم التعامل معها على مدار تاريخ النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وكأنها قضية جانبية ستعرف طريقها للحل عند التسوية النهائية للنزاع، غير أن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها اليوم تظهر أن أكبر ضحية للنزاع هم آلاف المحتجزين في المخيمات بتندوف، فهل يستطيع الممثل الشخصي المقبل للأمين العام للأمم المتحدة، أن يجد حلاً لهذه القضية وعزلها عن مسار التسوية المتعثر منذ بداية التسعينات من القرن الماضي؟ أم أن مأساة أجيال من المغاربة الصحراويين ستستمر لوقت أطول كعنوان لبؤس الدعاية الجزائرية؟