الصحافة _ كندا
أعاد النقاش البرلماني حول “التمويلات المبتكرة” سؤالاً مركزياً يتعلق بقدرة الدولة على تمويل مرافقها دون التفريط في سيادتها المالية أو إثقال ميزانيتها. تصريحات الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، جاءت دفاعاً عن خيار تعتبره الحكومة بديلاً للخوصصة، فيما يراه معارضوه تفويتاً غير مباشر للأصول العمومية عبر التزامات طويلة الأمد.
الآلية المعروضة تقوم على استغلال العقار العمومي وتحويله إلى أصل مالي يجلب التمويل لبناء مرافق جديدة، مع استمرار الدولة في استعمال الأصل عبر كراء سنوي. وهي صيغة قريبة من نماذج دولية مثل البيع ثم الاستئجار أو إعادة تدوير الأصول أو أشكال من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ورغم ما توفره من سيولة فورية دون رفع الدين الرسمي واستغلال العقار غير المستعمل وتفادي الخوصصة المباشرة، إلا أن المخاطر كبيرة، أبرزها تحول الكراء طويل الأمد إلى دين مقنع، وهشاشة الشفافية وضعف معطيات العقود، وتكبيل الحكومات المقبلة بالتزامات تمتد لعقود.
تجارب دولية عديدة تقدم دروساً واضحة: بريطانيا ألغت نظام PFI بعد تضخم كلفته، أستراليا واجهت احتجاجات على تفويت الأصول، كندا دفعت كراءات تفوق ثمن ممتلكاتها، والدول الاسكندنافية رفضت هذا النموذج حفاظاً على السيادة المالية.
ولإنجاح هذه الآلية يشترط نشر العقود والدراسات المالية للعموم، وإحداث هيئة مستقلة للرقابة أو تقارير دورية للمجلس الأعلى للحسابات، وتحديد سقف للالتزامات طويلة الأمد، وضمان عودة الأصل للدولة دون مقابل عند نهاية العقد.
تصريحات لقجع تعكس ضغطاً مالياً كبيراً ورغبة في تجنب الخوصصة ومحاولة الحفاظ على ثقة المؤسسات الدولية، لكنها تحتاج إلى استكمال إصلاحي يشمل الجبايات، ترشيد النفقات، مكافحة الهدر، ورقمنة التسيير.
فالتمويل المبتكر قد يكون مفيداً ظرفياً، لكنه قد يتحول إلى عبء هيكلي إذا غابت الشفافية وتقييم الكلفة واستدامة الحكامة.
